الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }

اللغة: التوفي أخذ الشيء على تمام قال الراجز:
إنَّ بَنِي دارِم لَيْسُوا مِنْ أحَدْ   وَلا تَوَفَّتْهُمْ قُرَيْشٌ فِي العَدَدْ
يقال: استوفى الدين إذا قبضه على كماله والتوكيل تفويض الأمر إلى غيره للقيام به والنكس قلبك الشيء على رأسه ويقال في المرض النُكس بضم النون وأما النِكس بكسر النون فهو السهم ينكس فيجعل أعلاه أسفله. الإِعراب: { ولو ترى إذ المجرمون } يجوز أن يكون مفعول { ترى } محذوفاً فيكون تقديره ولو ترى المجرمين إذ ناكسوا رؤوسهم ويجوز أن يكون المعنى لو رأيت ببصرك مثل قولهوإذا رأيت ثم رأيت نعيماً } [الإنسان: 20] فيكون ترى عاملاً في إذ وجواب لو محذوف تقديره لو رأيت المجرمين على تلك الحالة رأيت ما تعتبر به غاية الاعتبار فذوقوا أي فيقال لهم: ذوقوا العذاب بنسيانكم وهذا في موضع جرّ على أنه صفة ليومكم. المعنى: ثم أمر سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال { قل } يا محمد للمكلّفين { يتوفاكم } أي يقبض أرواحكم أجمعين. وقيل: يقبضكم واحداً واحداً حتى لا يبقى منكم أحداً { ملك الموت الذي وكل بكم } أي وكل بقبض أرواحكم عن ابن عباس قال: جعلت الدنيا بين يدي ملك الموت مثل جام يأخذ منها ما شاء إذا قضى عليه الموت من غير عناء وخطوته ما بين المشرق والمغرب. وقيل: إن له أعواناً كثيرة من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب عن قتادة والكلبي فعلى هذا المراد بملك الموت الجنس ويدل عليه قولهتوفته رسلنا } [الأنعام: 61] وقولهتوفاهم الملائكة } [النساء: 97] وأما إضافة التوفي إلى نفسه في قولهالله يتوفى الأنفس حين موتها } [الزمر: 42] فلأنها سبحانه خلق الموت ولا يقدر عليه أحد سواه. { ثم إلى ربكم ترجعون } أي إلى جزاء ربكم من الثواب والعقاب تردون وجعل ذلك رجوعاً إليه تفخيماً للأمر وتعظيماً للحال وروى عكرمة عن ابن عباس. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الأمراض والأوجاع كلها بريد للموت ورسل للموت فإذا حان الأجل أتى ملك الموت بنفسه فقال: يا أيها العبد كم خبر بعد خبر وكم رسول بعد رسول وكم بريد بعد بريد أنا الخبر الذي ليس بعدي خبر وأنا الرسول أجب ربك طائعاً أو مكرهاً فإذا قبض روحه وتصارخوا عليه قال: على من تصرخون وعلى من تبكون فوالله ما ظلمت له أجلاً ولا أكلت له رزقاً بل دعاه ربه فليبك الباكي على نفسه فإن لي فيكم عودات وعودات حتى لا أبقي منكم أحداً ". ثم أخبر سبحانه عن حالهم في القيامة وعند الحساب فقال { ولو ترى } يا محمد أو أيها الإِنسان { إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم } أي يوم القيامة حين يكون المجرمون متطأطئي رؤوسهم ومطرقيها حياء وندماً وذلاً { عند ربهم } أي عندما يتولى الله سبحانه حساب خلقه يقولون { ربنا أبصرنا وسمعنا } أي أبصرنا الرشد وسمعنا الحق.

السابقالتالي
2