الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

القراءة: قرأ ابن كثير { ما آتيتم من ربا } مقصورة الألف غير ممدودة وقرأ الباقون ما آتيتم بالمد وقرأ أهل المدينة ويعقوب وسهل لِتُرْبوا بالتاء وضمها وسكون الواو والباقون ليربوا بالياء وفتحها ونصب الواو. الحجة: قال أبو علي: معنى { ما آتيتم من ربا } ما آتيتم من هدية أهديتموها لتعوضوا ما هو أكثر منه وتكافئوا أزيد منه فلا يربو عند الله لأنكم إنما قصدتم إلى زيادة العوض فلم تبتغوا في ذلك وجه الله ومثل هذا في المعنى قولهولا تمنن تستكثر } [المدثر: 6] فمن مدَّ آتيتم فلأن المعنى أعطيتم ومن قصر فإنه يؤول في المعنى إلى قول من مدَّ إلا أن أتيتم على لفظ جئتم كما تقول: جئت زيداً فكأنه قال: ما جئتم من ربا ومجيئهم لذلك إنما هو على وجه الإعطاء له كما تقول: أتيت الخطأ وأتيت الصواب قال الشاعر:
أتَيْـــتُ الَّـــذِي يَأْتِــي السَّفِيهُ لِغِرَّتي   إِلى أنْ عَلا وَخْطٌ مِنَ الشَّيْبِ مَفْرَقي
فإتيانه الذي يأتيه السفيه إنما هو فعل منه له قال: ولم يختلفوا في مدّ وما آتيتم من زكوة فهو كقولهوإيتاء الزكاة } [الأنبياء: 73] وإن كان لو قال: أتيت الزكاة لجاز أن يعني به فعلتها ولكن الذي جاء منه في التنزيل وفي سائر الكلام الإيتاء ومن قرأ ليربو فإن فاعله الربا المذكور في قوله { وما آتيتم من ربا } وقدّر المضاف وحذفه كأنه في اجتلاب أموال الناس واجتذابه ونحو ذلك وكأنه سمي هذا المدفوع على وجه اجتلاب الزيادة ربا ولو قصد به وجه الله لما كان الغرض فيه الاستزادة على ما أعطي فسمي باسم الزيادة. والرباء هو الزيادة بذلك سمي المحرم المتوعد فاعله وبالزيادة ما يأخذ على ما أعطى والمدفوع ليس في الحقيقة ربا إنما المحرم الزيادة التي يأخذها زيداً على ما أعطى فسمي الجميع رباً فكذلك ما أعطاه الواهب والمهدي لاستجلاب الزيادة سمي ربا لمكان الزيادة المقصودة في المكافأة فوجه ليربوا في أموال الناس ليربوا ما آتيتم فلا يربو عند الله لأنه لم يقصد به وجه البر والقربة إنما قصد به اجتلاب الزيادة ولو قصد به وجه الله تعالى لكان كقولهوما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون } [الروم: 39] أي صاروا ذوي أضعاف من الثواب على ما أتوا من الزكاة يعطون بالحسنة عشراً فله عشر أمثالها وقول نافع لِتُرْبوا أي لتصيروا ذوي زيادة فيما أتيتم من أموال الناس أي تستدعونها وتجتلبونها وكأنه من أربى أي صار ذا زيادة مثل أقطف وأجرب. المعنى: لمّا تقدَّم ذكر المشركين عقَّبه سبحانه بذكر أحوالهم في البطر عند النعمة واليأس عند الشدة فقال { وإذا أذقنا الناس رحمة } أي إذا آتيناهم نعمة من عافية وصحة جسم أو سعة رزق أو أمن ودعة { فرحوا بها } أي سرّوا بتلك الرحمة { وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم } أي وإن أصابهم بلاء وعقوبة بذنوبهم التي قدَّموها وسمي ذلك سيئة توسعاً لكونه جزاء على السيئة عن الجبائي.

السابقالتالي
2 3