الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

الإعراب: { هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء } لكم الجار والمجرور في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ والمبتدأ من شركاء ومن مزيدة ومن في قوله { مما ملكت أيمانكم } تتعلق بما يتعلق به اللام ويجوز أن يتعلق بمحذوف ويكون في موضع نصب على الحال والعامل في الحال ما يتعلق به اللام. { فأنتم فيه سواء } جملة في موضع نصب لأنه جواب قوله { هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء } وتقديره فتستووا وقوله { تخافونهم } أي تخافون أن يساووكم كخيفتكم مساواة بعضكم بعضاً. { حنيفاً } نصب على الحال. { فطرة الله } منصوب بمعنى اتبع فطرة الله لأن معنى { فأقم وجهك للدين القيم } اتبع الدين القيم فيكون بدلاً من وجهك في المعنى. المعنى: ثم قال سبحانه: بعد أن ذكر الدلالات الدالة على توحيده { وله من في السماوات والأرض } من العقلاء يملكهم ويملك التصرف فيهم وإنما خصَّ العقلاء لأن ما عداهم في حكم التبع لهم. ثم أخبر سبحانه عن جميعهم فقال: { كل له قانتون } أي كل له مطيعون في الحياة والبقاء والموت والبعث وإن عصوا في العبادة عن ابن عباس وهذا مفسّر في سورة البقرة { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده } أي يخلقهم إنشاء ويخترعهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الإفناء فجعل سبحانه ما ظهر من ابتداء خلقه دليلاً على ما خفي من إعادته استدلالاً بالشاهد على الغائب ثم أكَّد ذلك بقوله { وهو أهون عليه } هو يعود إلى مصدر يعيده فالمعنى والإعادة أهون. وقيل: فيه أقوال أحدها: أن معناه وهو هيّن عليه كقولهالله أكبر } [العنكبوت: 45 غافر: 10] أي كبير لا يدانيه أحد في كبريائه وكقول الشاعر:
لَعَمْرُكَ ما أَدْرِي وَإِنِّي لأَوْجَلُ   عَلـــى أيِّنــا تَغْــدُو المَنِيَّـةُ أَوَّلُ
فمعنى لأوجل أي وجل وقال الفرزدق:
إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّماءَ بَنى لَنا   بَيتــاً دَعائِمُـــهُ أَعَزُّ وَأطْوَلُ
أي عزيزة طويلة. وقد قيل: فيه إنه أراد أعز وأطول من دعائم بيوت العرب وقال آخر:
تَمَنّى رِجالٌ أنْ أمُوتَ وَإنْ أَمُتْ   فَتِـلْــكَ سَبِيـــلٌ لَسْـتُ فِيها بِأَوْحَدِ
أي بواحد هذا قول أهل اللغة. والثاني: أنه إنما قال: أهون لما تقرّر في العقول إن إعادة الشيء أهون من ابتدائه ومعنى أهون أيسر وأسهل وهم كانوا مقرّين بالابتداء فكأنه قال لهم: كيف تقرّون بما هو أصعب عندكم وتنكرون ما هو أهون عندكم. الثالث: أن الهاء في عليه يعود إلى الخلق وهو المخلوق أي والإعادة على المخلوق أهون من النشأة الأولى لأنه إنما يقال له في الإعادة { كن فيكون } وفي النشأة الأولى كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم كسيت العظام لحماً ثم نفخ فيه الروح فهذا على المخلوق أصعب والإنشاء يكون أهون عليه وهذا قول النحويين، ومثله يروى عن ابن عباس قال: { وهو أهون } على المخلوق لأنه يقول له يوم القيامة كن فيكون وأما ما يروى عن مجاهد أنه قال: الإنشاء أهون عليه من الابتداء فقوله مرغوب عنه لأنه تعالى لا يكون عليه شيء أهون من شيء.

السابقالتالي
2 3