الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ }

القراءة: قرأ حفص للعالمين بكسر اللام الأخيرة والباقون بفتحها. الحجة: قال أبو علي: خصّ العالِمين في رواية حفص وإن كانت الآية لكافة الناس عالمهم وجاهلهم لأن العالم لما تدبَّر فاستدل بما شاهده على ما لم يستدل عليه غيره صار كأنه ليس بآية لغير العالم لذهابه عنها وتركه الاعتبار بها ومن قال: { للعالمين } فلأن ذلك في الحقيقة دلالة وموضع اعتبار وإن ترك تاركون لغفلتهم أو لجهلهم التدبر بها والاستدلال بها. الإعراب: في قوله { ومن آياته يريكم البرق } أقوال: أحدها: أن التقدير ومن آياته أن يريكم فلما حذف أن ارتفع الفعل كقول طرفة:
ألا أيُّ هذا الزّاجِري أحْضُرُ الوَغى   وَأنْ أشْهَـــدُ اللَّذات هَلْ أنْتَ مُخْلِدي
وفي المثل تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وثانيها: أن التقدير ومن آياته آية يريكم البرق بها ثم حذف لدلالة من عليها ومثله من الشعر:
وَمَــــا الـــدَّهْرُ إلاّ تــارتَان فَمِنْهُمــا   أَمُوتُ وأُخرى أَبْتَغِي العَيْشَ أَكْدَحُ
أي فمنها تارة أموتها أي أموت فيها. وثالثها: أن يكون التقدير ويريكم البرق خوفاً وطمعاً ومن آياته فيكون عطفاً لجملة على جملة وقوله { خوفاً وطمعاً } منصوبان على تقدير اللام والتقدير لتخافوا خوفاً ولتطمعوا طمعاً { ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض } الجار يتعلق بمحذوف في موضع الحال من الكاف والميم أي إذا دعاكم خارجين من الأرض وإن شئت كان وصفاً للنكرة أي دعوة ثابتة من هذه الجهة ولا يجوز أن يتعلق بيخرجون لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبله. المعنى: ثم عطف سبحانه على ما قدَّمه من تنبيه العبيد على دلائل التوحيد فقال { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم } أي جعل لكم من شكل أنفسكم ومن جنسكم { أزواجاً } وإنما منَّ سبحانه علينا بذلك لأن الشكل إلى الشكل أميل عن أبي مسلم. وقيل: معناه أن حواء خلقت من ضلع آدم ع عن قتادة. وقيل: إن المراد بقوله { من أنفسكم } أن النساء خلقن من نطف الرجل { لتسكنوا إليها } أي لتطمئنوا إليها وتألفوا بها ويستأنس بعضكم ببعض { وجعل بينكم مودة ورحمة } يريد بين المرأة وزوجها جعل سبحانه بينهما المودَّة والرحمة فهما يتوادان ويتراحمان وما شيء أحبّ إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما. قال السدي: المودّة المحبة والرحمة الشفقة { إن في ذلك } أي في خلق الأزواج مشاكلة للرجال { لآيات } أي لدلالات واضحات { لقوم يتفكرون } في ذلك ويعتبرون به. ثم نبَّه سبحانه على آية أخرى فقال: { ومن آياته } الدالة على توحيده { خلق السماوات والأرض } وما فيهما من عجائب خلقه وبدائع صنعه مثل ما في السماوات من النجوم والشمس والقمر وجريها في مجاريها على غاية الاتساق والنظام وما في الأرض من أنواع الجماد والنبات والحيوان المخلوقة على وجه الإحكام.

السابقالتالي
2