الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } * { فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر وأبي جعفر حِجّ البيت بكسر الحاء والباقون بفتحها. الحجة: قال سيبويه حَجَّ حِجّاً مثل ذَكَر ذِكْراً فحِجّ على هذا مصدر فهذا حجة لمن كسر الحاء وقال أبو زيد الحِجَج السنون واحدتها حِجَّة قال أبو علي: يدلّ على ذلك قولـه ثماني حجج قال الحَجَّة من حج البيت الواحدة قال سيبويه: قالوا حِجَّة أرادوا عمل سنة ولم يجيئوا بها علي الأَصل ولكنه اسم لـه، فقولـه لم يجيئوا بها على الأَصل أراد أنه للدفعة من الفعل ولكن كسروه فجعلوه اسماً لـهذا المعنى كما قالوا غزاة لعمل وجه واحد ولم يجئ فيه الغزوة وكان القياس. اللغة: أول الشيء ابتداؤه ويجوز أن يكون المبتدأ لـه آخر ويجوز أن لا يكون آخر لـه لأَن الواحد أول العدد ولا نهاية لآخره ونعيم أهل الجنة لـه أول ولا نهاية لـه وأصل بكَّة البك وهو الزحم يقال بكَّه يبكّهُ إذا زحمه ويباكّ الناس إذا ازدحموا فبكة مزدحم الناس للطواف وهو ما حول الكعبة من داخل المسجد الحرام وقيل سميت بكة لأَنها تبكّ أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم ولم يمهلوا والبكّ دق العنق وأما مكة فيجوز أن يكون اشتقاقها كاشتقاق بكة وإبدال الميم من الباء كقولـه: ضربة لازب ولازم، ويجوز أن يكون من قولـهم أمتك الفصيل ما في ضرع الناقة إذا مصّ مصاً شديداً حتى لا يبقى منه شيء، ومك المشاش مكاً إذا تمشش بفيه فسميت مكة بذلك لقلة مائها وأصل البركة الثبوت من قولـهم برك بروكاً أو بركاً إذا ثبت على حالـه فالبركة ثبوت الخير بنمّوه ومنه البِرْكة شِبْهُ الحوض يمسك الماء لثبوته فيه ومنه قول الناس تبارك الله لثبوته لم يزل ولا يزال وحده. الإعراب: قولـه تعالى { مباركاً } نصب على الحال بالظرف مِنْ ببكة على معنى الذي استقر ببكة مباركاً ويجوز أن يكون من الضمير في وُضع كأنه قيل وضع مباركاً وعلى هذا يجوز أن يكون قد وضع قبلـه بيت ولا يجوز في التقدير الأَول وأما رفع مقام إبراهيم فلأَنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره هي مقام إبراهيم عن الأخفش، وقيل هو بدل من آيات عن أبي مسلم ومن استطاع إليه سبيلاً في موضع جرٍ بدلاً من الناس وهو بدل البعض من الكل. النزول: قال مجاهد تفاخر المسلمون واليهود فقالت اليهود بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لأَنه مهاجر الأَنبياء والأَرض المقدسة وقال المسلمون بل الكعبة أفضل فأنزل الله تعالى: { إن أول بيت }. المعنى: { إن أول بيت وضع للناس } أي بني للناس ولم يكن قبلـه بيت مبني وإنما دحيت الأرض من تحتها وهو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق الله تعالى السماء والأَرض من تحتها وهو خلقه الله قبل الأَرض بألفي عام وكانت زَبَدة بيضاء على الماء عن مجاهد وقتادة والسدي، وروي عن أبي عبد الله ع قال: أنها كانت مهاة بيضاء يعني درة بيضاء وروى أبو خديجة عنه ع قال: إن الله أنزلـه لآدم من الجنة وكان درة بيضاء فرفعه الله تعالى إلى السماء وبقي رأسه وهو بحيال هذا البيت يدخلـه كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبداً فأمر الله تعالى إبراهيم ع وإسماعيل ع ببنيان البيت على القواعد وقيل معناه إن أول بيت وضع للعبادة ولم يكن قبلـه بيت يحجّ إليه إلا البيت الحرام وقد كانت قبلـه بيوت كثيرة ولكنه أول بيت مبارك وهدى وضع للناس عن علي ع والحسن، وقيل أول بيت رغب فيه وطلب منهُ البركة مكة عن الضحاك، وروى أصحابنا أن أول شيء خلقه الله من الأَرض موضع الكعبة ثم دحيت الأرض من تحتها وروى أبو ذر أنه

السابقالتالي
2 3 4