الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

اللغة: الخلود في اللغة طول المكث ولذلك يقال خُلّد فلان في السجن وقيل للأثافي خوالد ما دامت في مواضعها وإذا زالت لا يسمّى خوالد والفرق بين الخلود والدوام أن الخلود يقتضي طول المكث في نحو قولك خُلّد فلان في السجن ولا يقضي ذلك الدوام ولذلك وصف سبحانه بالدوام دون الخلود إلا أن خلود الكفار المراد به التأبيد بلا خلاف بين الأمة. والإنظار التأخير للعبد لينظر في أمره والفرق بينه وبين الإمهال أن الإمهال هو تأخيره لتسهيل ما يتكلفه من عملـه. الإعراب: كيف أصلـه الاستفهام والمراد به هنا الإنكار لأنهُ لا تقع هذه الـهداية من الله أي لا يهديهم الله كقولـه كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسولـه أي لا يكون قال الشاعر:
كَيْفَ نَوْمي عَلَى الفِراشِ ولمّا   يَشْمَلِ الشّامَ غارَةٌ شَعْواءُ
وإنما دخلـه معنى الإنكار مع أن أصلـه الاستفهام لأن المسؤول يسأل عن أغراض مختلفة فقد يسأل للتعجيز إقامة البرهان، وقد يسأل للتوبيخ مما يظهر من معنى الجواب في السؤال وقد يسأل لما يظهر فيه من الإنكار وإنما عطف قولـه { شهدوا } وهو فعل على إيمانهم وهواسم لأن الإيمان مصدر والمراد به الفعل والتقدير بعد أن آمنوا وشهدوا وأجمعين تأكيد للناس ودخلت الفاء في قولـه { فإن الله غفور رحيم } لأنه يشبه الجزاء إذ كان الكلام قد تضمن معنى إن تابوا فإن الله يغفر لـهم ولا يجوز أن يكون في موضع خبر الذين لأن الذين في موضع نصب بالاستثناء من الجملة التي هي قولـه { أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله } ولا يحمل على المنقطع مع حسن الاتصال لأنه الأصل في الكلام والأسبق إلى الأفهام. النزول: قيل نزلت الآيات في رجل من الأنصار يقال لـه حارث بن سويد بن الصامت وكان قتل المجذر بن زياد البلوي غدراً وهرب وارتد عن الإسلام ولحق بمكة ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة فسألوا فنزلت الآية إلى قولـه { إلا الذين تابوا } فحملـها إليه رجل من قومه فقال إني لأعلم أنك لصدوق ورسول الله أصدق منك وأن الله أصدق الثلاثة ورجع إلى المدينة وتاب وحسن إسلامه عن مجاهد والسدي وهو المروي عن أبي عبد الله ع وقيل نزلت في أهل الكتاب الذين كانوا يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ثم كفروا بعد البعثة حسداً وبغياً عن الحسن والجبائي وأبي مسلم. المعنى: لمّا بَيَّن تعالى أن الإسلام هو الدين الذي به النجاة بَيّن حال من خالفه فقال { كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم } فيه وجوه أحدها: أن معناه كيف يسلك الله بهم سبيل المهتدين بالإثابة لـهم والثناء عليهم وقد كفروا بعد إيمانهم - وثانيها: أنه على طريق التبعيد كما يقال كيف أهديك إلى الطريق وقد تركته أي لا يهديهم به إلى الإيمان إلاّ من الوجه الذي هداهم به وقد تركوه ولا طريق غيره - وثالثها: أن المراد كيف يهديهم الله إلى الجنة ويثيبهم والحال هذه وقولـه { وشهدوا أن الرسول حق } عطف على قولـه بعد إيمانهم دون قولـه { كفروا } وتقديره بعد أن آمنوا وشهدوا أن الرسول حق.

السابقالتالي
2