الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } * { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ }

القراءة: قرأ ابن عامر وأهل الكوفة تعلمون بالتشديد والباقون تعلمون وقرأ عاصم غير الأعشى والبرجمي وحمزة وابن عامر ويعقوب ولا يأمركم بنصب الراء والباقون بالرفع. الحجة: حجة من قال تعلمون بالتشديد أن التعليم أبلغ في هذا الموضع لأنه إذا عَلَّم الناس ولم يعمل بعلمـه كان مع استحقاق الذم بترك عملـه داخلاً في جملة من وُبّخ بقولـهأتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } [البقرة: 44] وحجة من قرأ تعلمون أن العالم الدارس قد يدرك بعلمه ودرسه مما يكون داعياً إلى التمسك بعلمه والعمل به ما لا يدركه العالم المعلّم في تدريسه ومن قرأ يأمركم فعلى القطع من الأول ولا يأمركم الله ومن نصبه فعلى قولـه { وما كان لبشر } أن يأمركم أن تتخذوا ومما يُقوّي الرفع ما روي في حرف ابن مسعود يأمركم فهذا يدل على الانقطاع من الأول ومِمّا يُقوّي النصب ما جاء في السير أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد أتريد أن نتخذك ربّاً فقال الله عز وجل: " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب ولا أن يأمركم ". اللغة: البشر يقع على القليل والكثير فهو بمنزلة المصدر مثل الخلق تقول هذا بشر وهؤلاء بشر كما تقول هذا خلق وهؤلاء، خلق وإنما وقع المصدر على القليل والكثير لأنه جنس الفعل فصار كأسماء الأجناس مثل الماء والتراب ونحوه والرّباني هو الربّ يرب أمر الناس بتدبيره وإصلاحه إياه. يقال ربّ فلانٌ أمره ربابة وهو ربّان إذا دبّره وأصلحه ونظيره نَعَس يَنْعَس وهو نعسان وأكثر ما يجيء فعلان من فَعَل يَفْعَل فيكون العالم ربانياً لأنه بالعلم رب الأمر ويصلحه، وقيل إنه مضاف إلى علم الرب وهو علم الدين الذي يأمره به إلا أنه غيّر في الإضافة ليدل على المعنى كما قيل في الإضافة إلى البحرين بحراني وكما قيل للعظيم الرقبة رقباني وللعظيم اللحية لحياني فقيل لصاحب علم الدين الذي أمر به الرب رباني. النزول: قيل إن أبا رافع الفُرَضي من اليهود ورئيس وفد نجران قالا يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك إلـهاً فقال: " معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غير الله ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني " فأنزل الله الآية عن ابن عباس وعطاء وقيل نزلت في نصارى نجران عن الضحاك ومقاتل، وقيل إن رجلاً قال: يا رسول الله نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك قال: " لا ينبغي أن يُسجد لأحد من دون الله ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهلـه " فأنزل الله الآية. المعنى: لما تقدم ذكر أهل الكتاب وأنهم أضافوا ما يتدينون به إلى الأنبياء نزّههم الله عن ذلك فقال { ما كان لبشر } يعني ما ينبغي لبشر كقولـه

السابقالتالي
2