الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

اللغة: المحكم مأخوذ من قولك أحكمت الشيء إذا ثقفته وأتقنته وأمّ الكتاب أصلـه ومكّة أمّ القرى ويقال لَعَلم الجيش أمّ وأصلـه أُمَّهة ولذلك يجمع على أمّهات وقد يقال أمات أيضاً والمتشابه الذي يشبه بعضه بعضاً فيغمض أخذ من الشَبَه لأنه يشتبه به المراد والزيغ الميل وأزاغه أمالـه والتزايغ التمايل في الأسنان والابتغاء الطلب والفتنة أصلـها الاختبار من قولـهم فتنت الذهب بالنار أي اختبرته وقيل معناه خلصته والتأويل التفسير وأصلـه المرجع والمصير من قولـهم آل أمره إلى كذا يؤول أولاً إذا صار إليه وأوّلته تأويلاً إذا صيرته إليه قال الأعشى:
عَلى أَنَّها كانَتْ تَأَوِّل حُبِّها   تَأَوُّلَ رَبْعِي السِّقابِ فَأَصْحَبا
أي كان حبها صغيراً فآل إلى العظم كما آل السقب وهو الصغير من أولاد النوق إلى الكبر والراسخون الثابتون يقال رسخ رسوخاً إذا ثبت في موضعه وأرسخه غيره. الإعراب: منه آيات جملة من مبتدأ وخبر في موضع النصب على الحال من أنزل وتقديره أنزل الكتاب محكماً ومتشابهاً { هن أم الكتاب } جملة في موضع الرفع لكونها صفة لآيات وأخر عطف على آيات وهو صفة مبتدأ محذوف وتقديره ومنه آيات أخر ومتشابهات صفة بعد صفة وأخر غير منصرف. قال سيبويه: إن أخر فارقت أخواتها والأصل الذي عليه بناء أخواتها لأن أخر أصلـها أن يكون صلة بالألف واللام كما يقال الصغرى والصُغَر فلما عدل في مجرى الألف واللام وأصل أفعل منك وهي مما لا تكون إلا صفة منعت الصرف. وقال الكسائي: إنما لم تصرف لأنه صفة وهذا غلط لأن قولـهم مالٌ لُبَدٌ وحُطَمٌ منصرفان مع كونهما صفة وابتغاء نصب لأنه مفعول لـه في الموضعين { وكلٌّ مِن عند ربنا } مبتدأ وخبر وهو اسم دال على المضاف إليه كثير في الكلام حذف المضاف إليه منه عند البصريين ولا يجيزون إنّا كلا فيها على الصفة وأجازه الكوفيون لأنه إنما حذف عندهم لدلالته عليه إسماً كان أو صفة وإنما بني قبل على الغاية ولم يبن كل وإن حذف من كل واحد منهما المضاف إليه لأن قبل ظرف يُعرَّف ويُنَكّر ففرق بين ذلك بالبناء الذي يدل على تعريفه بالمضاف إليه والإعراب الذي يدل على تنكيره بالانفصال وليس كذلك كل لأنه معرفة في الأفراد دون نكرة فأما ليس غيرُ فمشبه بحسبُ لما فيه من معنى الأمر. المعنى: لما تقدم بيان إنزال القران عقبه بيان كيفية إنزالـه فقال: { هو الذي أنزل عليك } يا محمد { الكتاب } أي القرآن { منه } أي من الكتاب { آيات محكمات هن أم الكتاب } أي أصل الكتاب { وأُخر متشابهات } قيل في المحكم والمتشابه أقوال أحدها: أن المحكم ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن إليه ولا دلالة تدل على المراد به لوضوحه نحو قولـه تعالى

السابقالتالي
2 3