الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ } * { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ }

اللغة: الإحساس الإدراك بالحاسة والحس القتل لأنه يحس بألمه والحس العطف لإحساس الرقة على صاحبه والأنصار جمع نصير كالأشراف جمع شريف وأصل الحواري الحور وهو شدة البياض ومنه الحواري من الطعام لشدة بياضه قال الحرث بن حِلَّزة:
فَقُلْ لِلْحَوارِيّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنا   وَلا تَبْكِنا إِلاَّ الكِلابُ النَّوابحُ
يعني النساء لبياضهن والشاهد هو المخبر بالشيء عن مشاهدة هذا حقيقة وقد يتصرف فيه فيقال البرهان شاهد بحق أي هو بمنزلة المخبر به عن مشاهدة ويقال هذا شاهد أي معدّ للشهادة. والمكر الالتفاف ومنه قولـهم لضرب من الشجر مكر لالتفافه والمكررة من النساء الملتفة الخلق وحدّ المكر حَبٌّ يختدع به العبد لإيقاعه في الضر والفرق بين المكر والحيلة أن الحيلة قد تكون لإظهار ما يعسر من الفعل من غير قصد إلى الإضرار بالعبد والمكر حيلة على العبد توقعه في مثل الوَهْقَ. الإعراب: قيل إنّ إلى بمعنى مع كقولـهم الذَوْد إلى الذود إبل أي مع الذود قال الزجاج: لا يجوز أن يقال أن بعض الحروف من حروف المعاني بمعنى الآخر وإنما معنى هذا أن اللفظ لو عبر عنه بمع أفاد هذا المعنى لا أن إلى بمعنى مع لو قلت ذهب زيد إلى عمرو لم يجز أن يقول ذهب زيد مع عمرو لأن إلى غاية ومع يضم الشيء إلى الشيء والحروف قد تقارب في الفائدة فيظن الضعيف العلم باللغة أن معناهما واحد من ذلك قولـه تعالىولأصلبنكم في جذوع النخل } [طه: 71] ولو كانت على ها هنا لأتت هذه الفائدة وأصل في إنما هو للوعاء وأصل على لما علا الشيء فقولك التمر في الجراب لو قلت على الجراب لم يصح ذلك ولكن جاز في جذوع النخل لأن الجذع مشتمل على المصلوب لأنه قد أخذه من أقطاره ولو قلت زيد على الجبل أو في الجبل يصلح لأن الجبل قد اشتمل على زيد فعلى هذا مجاز هذه الحروف. المعنى: { فلما أحس } أي وجد وقيل أبصر ورأى وقيل علم { عيسى منهم الكفر } وأنهم لا يزدادون إلا إصراراً على الكفر بعد ظهور الآيات والمعجزات امتحن المؤمنين من قومه بالسؤال والتعريف عما في اعتقادهم من نصرته { قال أنصاري إلى الله } وقيل إنه لما عرف منهم العزم على قتلـه قال من أنصاري إلى الله وفيه أقوال أحدها: أن معناه من أعواني على هؤلاء الكفار مع معونة الله عن السدي وابن جريج والثاني: أن معناه من أنصاري في السبيل إلى الله عن الحسن لأنه دعاهم إلى سبيل الله والثالث: أن معناه من أعواني على إقامة الدين المؤدي إلى الله أي إلى نيل ثوابه كقولـه:إني ذاهب إلى ربي سيهدين } [الصافات: 99] ومما يسأل على هذا أن عيسى إنما بعث للوعظ دون الحرب فلم استنصر عليهم فيقال لـهم للجماعة من الكافرين الذين أرادوا قتلـه عند إظهار الدعوة عن الحسن ومجاهد وقيل أيضاً يجوز أن يكون طلب النصرة للتمكين من إقامة الحجة ولتميز الموافق من المخالف.

السابقالتالي
2 3