الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }

اللغة: العاقر من الرجال الذي لا يولد لـه ومن النساء التي لا تلد يقال عَقُرت تعقرُ عَقُرْاً فهي عاقر قال عبيد:
أعاقِرٌ مِثْلَ ذاتِ رِحْمٍ   أمْ غانِمٌ مِثْلَ مَنْ يَخيبُ
والعُقْر دية فرج المرأة إذا غصبت نفسها وبيضة العُقر آخر بيضة والعُقر محلة القوم والعقر أصل كل شيء ويقال غلام بين الغلوميّة والغُلومة وهو الشاب من الناس والغُلمة والاغتلام شدة طلب النكاح وسمي الغلام غلاماً لأنه في حال يطلب في مثلـها النكاح والغيلم منبع الماء من الآبار لأنه يطلب الظهور. المعنى: { قال } زكريا { رب } لله عز وجل لا لجبرائيل { أنى يكون } أي من أين يكون وقيل كيف يكون { لي غلام } أي ولد { وقد بلغني الكبر } أي أصابني الشيب ونالني الـهرم وإنما جاز أن تقول بلغني الكبر لأن الكبر بمنزلة الطالب لـه فهو يأتيه بحدوثه فيه والإنسان أيضاً يأتي الكبر بمرور السنين عليه ولو قلت بلغني البلد بمعنى بلغت البلد لم يجز لأن البلد لا يأتيك أصلاً. وقال ابن عباس: كان زكريا يوم بُشّر بالولد ابن عشرين ومائة سنة وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة { وامرأتي عاقر } أي عقيم لا تلد فإن قيل لم راجع زكريا هذه المراجعة وقد بشره الله بأن يهب لـه ذرية طيبة بعد أن سأل ذلك قيل إنما قال ذلك على سبيل التعرف عن كيفية حصول الولد أيعطيهما الله إياه وهما على ما كانا عليه من الشيب أم يصرفهما إلى حال الشباب ثم يرزقهما الولد عن الحسن ويحتمل أن يكون اشتبه الأمر عليه أيعطيه الولد من امرأته العجوز أم من امرأة أخرى شابة فقال الله { كذلك } وتقديره كذلك الأمر الذي أنتما عليه وعلى تلك الحال. { الله يفعل ما يشاء } معناه يرزقك الله الولد منها فإنه هيّن عليه كما أنشأكما ولم تكونا شيئاً فإنه تعالى قادر يفعل ما يشاء وقيل فيه وجه آخر وهو أنه إنما قال ذلك على سبيل الاستعظام لمقدور الله والتعجب الذي يحصل للإنسان عند ظهور آية عظيمة كمن يقول لغيره كيف سمحت نفسك بإخراج ذلك المال النفيس من يدك تعجّباً من جوده وقيل إنه قال ذلك على وجه التعجب من أنه كيف أجابه الله إلى مراده فيما دعا وكيف استحقّ ذلك ومن زعم أنه إنما قال ذلك للوسوسة التي خالطت قلبه من قبل الشيطان أو خُيلّت إليه أن النداء كان من غير الملائكة فقد أخطأ لأن الأنبياء لا بدّ أن يعرفوا الفرق بين كلام الملك ووسوسة الشيطان ولا يجوز أن يتلاعب الشيطان بهم حتى يختلط عليهم طريق الإفهام.