الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم فناداه الملائكة على التذكير والإمالة والباقون فنادته على التأنيث وقرأ ابن عامر وحمزة إن الله بكسر الـهمزة والباقون بفتحها وقرأ حمزة والكسائي يَبْشِرك بفتح الياء والتخفيف والباقون بضم الياء والتشديد. الحجة: من قرأ فنادته بالتاء فلموضع الجماعة كما تقول هي الرجال ومن قرأ فناداه فعلى المعنى ومن فتح إن كان المعنى فنادته بأن الله فحذف الجار وأوصل الفعل في موضع نصبُ على قياس قول الخليل في موضع الجر ومن كسر أضمر القول كأنه نادته فقالت إنّ الله فحذف القول كما حذف في قول من كسر في قولـه فدعا ربه إني مغلوب وإضمار القول كثير وأما يبشرك فقال أبو عبيدة يَبْشَرك ويُبَشِّرك واحد وقال الزجاج هذا من بَشَر يَبْشِر إذا فرج وأصل هذه كلـه إن بشرة الإنسان تنبسط عند السرور. اللغة: الـهبة تمليك الشيء من غير ثمن والسيد مأخوذ من سواد الشخص فقيل سيد القوم بمعنى مالك السواد الأعظم وهو الشخص الذي يجب طاعته لمالكه هذا إذا استعمل مضافاً أو مقيداً فأما إذا أطلق فلا ينبغي إلا الله والحصور الممتنع عن الجماع ومنه قيل للذي يمتنع أن يُخْرِج مع ندمائه شيئاً للنفقة حصور وقال الأخطل:
وَشارِبٍ مُرْبِحٍ بِالْكَأْس نادَمَني   لا بِالْحَصُــورِ وَلا فِيهـا بِسَوّارِ
ويقال للذي يكتم سره حصور. الإعراب: هنالك الأصل فيه الظرف من المكان نحو رأيته هنا وهنالك والفرق أن هنا للتقريب وهنالك للتبعيد وهناك لما بينهما. قال الزجاج: ويستعمل في الحال كقولك من ها هنا قلت كذا أي من هذا الوجه وفيه معنى الإشارة كقولك ذا وذاك وزيدت اللام التأكيد التعريف وكسرت لالتقاء الساكنين كما كسرت في ذلك وإنما بني لدن ولم يبن عند وإن كان بمعناه لأنه استبهم استبهام الحروف لأنه لا يقع في جواب أين كما يقع عند في نحو قولـهم أين زيد فيقال عندك ولا يقال لدنك وهو قائم جملة في موضع الحال من الـهاء في نادته وقولـه { يصلي في المحراب } جملة في موضع الحال من الضمير في قائم وقولـه { مصدقاً } نصب على الحال من يحيى وقولـه: { من الصالحين } من ها هنا لتبيين الصفة وليس المراد التبعيض لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا صالحاً. المعنى: { هنالك } أي عند ذلك الذي رأى من فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف على خلاف ما جرت به العادة { دعا زكريا ربه } قال { رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } أي طمع في رزق الولد من العاقر على خلاف مجرى العادة فسأل ذلك وقولـه { طيبة } أي مباركة عن السدي وقيل صالحة تقية نقية العمل وإنما أنَثّ طيبة وإنما سأل ولداً ذكراً على لفظ الذرية كما قال الشاعر:

السابقالتالي
2