الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة كفلـها بالتشديد والباقون بالتخفيف وقرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر زكريا مقصوراً والباقون بالمد ونصب زكرياء مع المد أبو بكر وحده والباقون بالرفع. الحجة: قال أبو علي: حجة من خَفَّفَ كفلـها قولـه تعالى:أيهم يكفل مريم } [آل عمران: 44] مرتفع لأن الكفالة مسندة إليه ومن شَدَّد كفلـها ففاعلـه الضمير العائد إلى ربها من قولـه { فتقبلـها ربها } وصار زكريا مفعولاً بعد تضعيف العين والمد والقصر في زكريا لغتان. اللغة: إنما جاء مصدر تقبلـها على القبول دون التقبل لأن فيه معنى قبلـها كما يقال تكرم كرماً لأن فيه معنى كرم ومثلـه وأنبتها نباتاً حسناً لأن فيه معنى فنبت. وقال أبو عمرو: ولا نظير لقبول في المصادر بفتح فاء الفعل والباب كلـه مضموم الفاء كالدخول والخروج. وقال سيبويه: جاءت خمسة مصادر على فَعول بالفتح قبول ووضوء وظهور وولوغ ووقود إلا أن الأكثر في وقود الضم إذا أريد المصدر. وأجاز الزجاج في قبول الضم والقبيل الكفيل وهو الضامن يقال كَفَلْته أكْفُلـه كَفْلاً وكُفُولاً وكفالاً فأنا كافل إذا تكفلت مؤنته ومنه الحديث: " وأنت خير المكفولين " أي أحق من كفل في صغره وأرضع حتى نشأ والمكفول عنه في الفقه هو الذي عليه الدين والمكفول لـه هو الذي لـه الدين والمكفول به هو الدين والكفيل هو الذي ثبت عليه الدين والمحراب مقام الإمام من المسجد وأصلـه أكرم موضع في المجلس وأشرفه وقال الزجاج هو المكان العالي الشريف قال:
رُبَّةَ مِحْرابٍ إذا جِئْتُها   لَمْ ألْقَها أوْ أرْتَقِي سُلَّما
ويقال للمسجد أيضاً محراب ومنه ما يشاء من محاريب أي مساجد وقيل إنه أخذ من الحرب لأنه يحارب فيها الشيطان. المعنى: { فتقبلـها ربها } مع أنوثتها ورضي بها في النذر الذي نذرته حنة للعبادة في بيت المقدس ولم يقبل قبلـها أنثى في ذلك المعنى وقيل معناه تكفل بها في تربيتها والقيام بشأنها عن الحسن وقبولـه إياها أنه ما عرتها علة ساعة من ليل أو نهار { بقبول حسن } أصلـه بتقبلٍ حسنٍ ولكنه محمول على قولـه فتقبلـها قبولاً حسناً وقيل معناه سلك بها طريق السعداء عن ابن عباس { وأنبتها نباتاً حسناً } أي جعل نشؤها نشؤءاً حسناً وقيل سَوَّى خلقها فكانت تنبت في يوم ما ينبت غيرها في عام عن ابن عباس. وقيل أنبتها في رزقها وغذائها حتى تمت امرأة بالغة تامة عن ابن جريج وقال ابن عباس: لما بلغت تسع سنين صامت النهار وقامت الليل وتبتلت حتى غلبت الأحبار. { وكفلـها زكريا } بالتشديد معناه ضمها الله إلى زكريا وجعلـه كفيلـها فيقوم بها وبالتخفيف معناه ضمها زكريا إلى نفسه وضمن القيام بأمرها وقالوا إن أم مريم أتت بها ملفوفة في خرقة إلى المسجد وقالت دونكم النذيرة فتنافس فيها الأحبار لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم فقال لـهم زكريا أنا أحق بها لأن خالتها عندي فقالت لـه الأحبار إنها لو تُرِكْت لأحقِّ الناس بها لتُرِكت لأمها التي ولدتها ولكنا نقترع عليها فتكون عند من خرج سهمه فانطلقوا وهم تسعة وعشرون رجلاً إلى نهر جار فألقوا أقلامهم في الماء فارتزّ قلم زكريا وارتفع فوق الماء ورسبت أقلامهم عن ابن إسحاق وجماعة وقيل بل ثبت قلم زكريا وقام فوق الماء كأنه في طين وجرت أقلامهم مع جرية الماء فذهب بها الماء عن السدي فَسَهَمهم زكريا وقَرَعَهم وكان رأس الأحبار ونبيّهم فذلك قولـه { وكفلـها زكريا }.

السابقالتالي
2