الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

الإعراب: اللام في قولـه لتبلون لام التأكيد وفيه معنى القسم والنون تأكيد للقسم وإنما ضُمّت الواو في لتبلون ولم تكسر لالتقاء الساكنين لأَنها واو الضمير حركت بما كان يجب لما قبلـها من الضم ومثلـهاشتروا الضلالة بالـهدى } [البقرة: 16] ولو كانت الواو حرف الإِعراب لفتحت نحو هل تغزوَنّ زيداً. النزول: نزلت الآية في كعب بن الأشرف وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويحرّض المشركين عليهم ويشبّب بنساء المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم: " من لي بابن الأَشرف " فقال محمد بن سلمة: أنا يا رسول الله فخرج هو وأبو نائلة مع جماعة فقتلوه غيلة وأتوا برأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي عن الزهري وقيل نزلت في فنحاص اليهودي سيد بني قينقاع لمّا بعث رسول الله أبا بكر إليه ليستمده وكتب إليه كتاباً فلما قرأه قال: قد احتاج ربكم إلى أن نمدّه فهمَّ أبو بكر بضربه ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تَفْتاتَنَّ بشيء حتى ترجع فكفّ عنه عن عكرمة ومقاتل. المعنى: ثُمَّ بيَّنَ تعالى أنّ الدنيا دار محنة وابتلاء وأنها إنما رويت عن المؤمنين ليصبروا فيؤجروا فقال { لتبلون } أي لتوقع عليكم المحن وتلحقكم الشدائد { في أموالكم } بذهابها ونقصانها { و } في { أنفسكم } أيها المؤمنون بالقتل والمصاب مثل ما نالكم يوم أُحد. ويقال بفرض الجهاد وغيره من الفرائض والقُرَبِ التي أمرنا بها وإنما سمّاه بلوت مجازاً فإن حقيقة الاختبار والتجربة لا يجوز على الله لأَنه العالم بالأَشياء قبل كونها وإنما يفعل ذلك ليتميز المحق من المبطل عن أبي علي الجبائي { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } يعني اليهود والنصارى { ومن الذين أشركوا } يعني كفار مكة وغيرهم { أذى كثيراً } يعني ما سمعوه من تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ومن الكلام الذي يغمّه { وإن تصبروا وتتقوا } يعني إن صبرتم على ذلكم وتمسكتم بالطاعة ولم تجزعوا عنده جزعاً يبلغ الإِثم { فإن ذلك من عزم الأمور } أي ممّا بأن رشده وصوابه ووجب على العاقل العزم عليه وقيل من محكم الأُمور.