الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }

القراءة: قرأ حمزة سيُكتب بضم الياء وقتلُـهم بالرفع ويقول بالياء وقرأ الباقون سنكتب بالنون وقتلـهم بالنصب ونقول بالنون. الحجة: الوجه في قراءة من قرأ سنكتب أن النون ها هنا بعد الاسم الموضوع للغيبة فهو مثل قولـهبل الله مولاكم } [آل عمران: 150] ثم قالسنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب } [آل عمران: 151] وقولـهكتب الله لأَغلبن أنا ورسلي } [المجادلة: 21] وقولـه { ونقول } معطوف على سنكتب والوجه في قراءة حمزة وقتلُـهم أنه عطف على ما قالوا وهو في موضع رفع ومن قال وقتلـهم فإنه عطفه على ما قالوا أيضاً وهو في موضع نصب بأنه مفعول به. اللغة: يقال سمع يسمع سمعاً إذا أدرك بحاسة الأُذن والله يسمع من غير إدراك بحاسة والسميع من هو على حالة يسمع لأَجلـها المسموعات إذا وجدت، والسامع المدرك لذلك. وقال المحققون: إن الله تعالى سميع فيما لم يزل وسامع عند وجود المسموع وكونه سميعاً بصيراً عالماً بمعناه. وقال أبو القاسم البلخي: فائدة كونه سميعاً بصيراً أنه يعلم المسموعات والمبصرات وهو لا يثبت للقديم تعالى صفة الإِدراك. وقال الخليل: كل ما نزل بإنسان من مكروه فقد ذاقه إلا أنه توسع وجاء في الخبر: " حتى تذوقي من عسيلته ويذوق من عسيلتك " كنّى بذلك عن الجماع وهذا من الكنايات المليحة والحريق النار وكذلك الحرَق بفتح الراء والحرْق بسكونه المصدر لقولـهم حرقت الشيء إذا بردته بالمبرد. الإعراب: موضع الباء في قولـه بما قدمت أيديكم رفع لأَنها في موضع خبر المبتدأ وهو ذلك وهي متصلة بالاستقرار كأنه قيل ذلك استقر بما قدمت أيديكم { وأَنَّ الله } إنما فتح أنَّ لأنه معطوف على ما عمل فيه الباء وتقديره وبأن الله فموضعه جرّ. النزول: لما نزلتمن ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } [البقرة: 245] و [الحديد: 11] قالت اليهود إن الله فقير يستقرض منا ونحن أغنياء وقائلـه حيي بن أخطب عن الحسن ومجاهد، وقيل كتب النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضاً حسناً فدخل أبو بكر بيت مدراسهم فوجد ناساً كثيراً منهم اجتمعوا إلى رجل منهم يقال لـه فنحاص بن عازوراء فدعاهم إلى الإِسلام والصلاة والزكاة فقال فنحاص: إن كان ما تقول حقاً فإن الله إذا لفقير ونحن أغنياء ولو كان غنياً لما استقرضنا أموالنا فغضب أبو بكر وضرب وجهه فأنزل الله هذه الآية عن عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق. المعنى: ثم ذكر سبحانه خصلة أخرى من خصالـهم الذميمة فقال { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير } قيل معناه أدرك قولـهم وقيل علم ذلك عن البلخي { إن الله فقير } أي ذو حاجة لأَنه يستقرض منا { ونحن أغنياء } عن الحاجة وقد علموا أن الله لا يطلب القرض وإنما ذلك تلطيف في الاستدعاء إلى الإِنفاق وإنما قالوه تلبيساً على أعوامهم وقيل معناه قالوا إن الله فقير لأَنه يضيق علينا الرزق ونحن أغنياء لأَنا نوسع الرزق على أهالينا.

السابقالتالي
2