الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

القراءة: ذكرنا اختلاف القراءة فيه فمن قرأ يحسبن بالياء فالذين يبخلون فاعل يحسبن والمفعول الأَول محذوف من اللفظ لدلالة اللفظ عليه وهو مثل قولك من كذب كان شراً لـه أي كان الكذب شراً لـه وكذلك في الآية { لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضلـه } البخل { هو خيراً لـهم } فدخلت هو فصلاً لأَن تقدم يبخلون بمنزلة تقدم البخل ومن قرأ بالتاء فالفاعل المخاطب وهو النبي والذين يبخلون مفعول أول لتحسبن وخيراً لـهم المفعول الثاني وفي الكلام حذف تقديره ولا تحسبن يا محمد بخل الذين يبخلون خيراً لـهم وهو فصل وإنما احتجت إلى هذا المحذوف ليكون المفعول الثاني هو الأَول في المعنى لأَن هذه الأَفعال إنما تدخل على المبتدأ والخبر وإذا كان الخبر مفرداً فيجب أن يكون هو المبتدأ في المعنى والبخل هو منع الواجب لأَنه توعّد عليه وذمّ به وأصلـه في اللغة المشقّة في الإعطاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب يَعْمَلُون بالياء كناية عن الذين يبخلون والباقون بالتاء على الخطاب. المعنى: { ولا يحسبن } الباخلون { الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضلـه } أي أعطاهم الله من الأموال فيبخلون بإخراج الحقوق الواجبة فيها ذلك البخل هو خيراً لـهم بل هو شرّ لـهم وعلى القراءة الأَخرى لا تحسبن أيها السامع أو لا تظنن يا محمد فالخطاب لـه والمراد فيه بخل الذين يبخلون خيراً لـهم بل هو شر لـهم أي ليس كذلك كما يظنون بل ذلك البخل شر لـهم. { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } اختلف في معناه فقيل يجعل ما بخل به من المال طوقاً في عنقه والآية نزلت في مانعي الزكاة وهو المروي عن أبي جعفر ع وهو قول ابن مسعود وابن عباس والسدي والشعبي وغيرهم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من رجل لا يؤدي الزكاة إلا جعل في عنقه شجاع يوم القيامة " ثم تلا هذه الآية وقال: " ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه يسألـه من فضل أعطاه الله إياه فيبخل به عنه إلا أخرج الله لـه من جهنم شجاعاً يتلمظ بلسانه حتى يطوقه " وتلا هذه الآية، وقيل معناه يجعل في عنقه يوم القيامة طوقاً من نار عن النخعي، وقيل معناه يكلفون يوم القيامة أن يأتوا بما بخلوا به من أموالـهم عن مجاهد وقيل هو كقولـهيوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم } [التوبة: 35] فمعناه أنه يجعل طوقاً فيعذب بها عن الجبائي. وقيل معناه أنه يعود عليهم وبالـه فيصير طوقاً لأَعناقهم كقولـهوكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } [الإسراء: 13]عن ابن مسلم قال والعرب تُعبّر بالرقبة والعنق عن جميع البدن ألا ترى إلى قولـه:

السابقالتالي
2