الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

القراءة: قرأ أهل الحجاز والشام وأبو عمرو وعاصم حتى يميز وليميز بالتخفيف والباقون بالتشديد وضم الياء الأُولى. الحجة: ماز يميز فعل متعد إلى مفعول واحد كما أن ميَّز فعل متعد إلى مفعول واحد ويقال مزته فلم يتميز وزلته فلم يتزل، والتضعيف في ميز ليس للتعدي والنقل كما أن التضعيف في عوض ليس للنقل من عاض لأَن عاض متعد إلى مفعولين كما في قول الشاعر:
عاضَهَا اللهُ غُلامــاً بَعْدَ مــا   شابَتِ الأَصْداغُ وَالْضِرْسُ نَقِدْ
فلو كان التضعيف في عوض للنقل لتعدى إلى ثلاثة مفاعيل فعوض وعاض لغتان في معنى واحد مثل ميز وماز. النزول: قيل إن المشركين قالوا لأَبي طالب إن كان محمد صادقاً فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر فإن وجدنا مخبره كما أخبر آمنا به فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية عن السدي والكلبي، وقيل سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يُفرّقون بها بين المؤمن والمنافق فنزلت الآية عن أبي العالية والضحاك. المعنى: { ما كان الله ليذر المؤمنين } أي ليدع ومعناه لا يدع الله المؤمنين { على ما أنتم عليه } يا أهل الكفر من الإِبهام واشتباه المخلص بالمنافق أي لم يكن يجوز في حكم الله أن يذرهم على ما كنتم عليه قبل مبعث النبي بل يتعبدكم { حتى يميز الخبيث من الطيب } أي الكافر من المؤمن عن قتادة والسدي، وقيل حتى يميز المنافق من المخلص يوم أحد على ما مضى شرحه عن مجاهد وابن إسحاق وابن جريج، وقيل هو خطاب للمؤمنين وتقديره ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق وعلى هذا فيكون قد رجع من الخبر إلى الخطاب كقولـهحتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم } [يونس: 22]. واختلف في أنه بأيّ شيء ميّز بين الخبيث والطيب فقيل بالامتحان وتكليف الجهاد ونحوه ممَّا يظهر به الحال كما ظهر يوم أحد بأن ثبت المؤمنون وتخلّف المنافقون عن الجبائي وقيل بالآيات والدلالات التي يستدل بها عليهم وقيل بأن ينصر الله المؤمنين ويكثرهم ويعزّ الدين ويذل الكافرين والمنافقين عن أبي مسلم، وقيل بأن يفرض الفرائض فيثبت المؤمن على إيمانه ويتميز ممن ينقلب على عقبيه. { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } أي ما كان الله ليظهر على غيبه أحداً منكم فتعلموا ما في القلوب أن هذا مؤمن وهذا منافق { ولكن الله يجتبي من رسلـه من يشاء } أي يختار من يشاء فيطلعه على الغيب أي يوقفه على علم الغيب ويعرّفه إياه { فآمنوا بالله ورسلـه } كما أمركم { وإن تؤمنوا } أي تُصدقوا { وتتقوا } عقابه بلزوم أمره واجتناب نهيه { فلكم } في ذلكم { أجر عظيم } وقيل معناه يصطفي من رسلـه من يشاء ممن يصلح لـه ولا يطلعه على الغيب عن السدي وفي هذه الآية دلالة على أنه يجوز أن يصلح جماعة لرسالته فيختار منهم من يشاء إما لأَنه أصلح وبالتأدية أقوم وعن المنفرات أبعد وإما لأَنهم قد تَساووا في جميع الوجوه فيختار من يشاء من بينهم لأَن النبوة ليست مستحقة ولا جزاءً وفيها دلالة على أن الثواب مستحق بالإِيمان والتقوى خلافاً لمن قال أنه تفضّل.