الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم، تغشى طائفة بالتاء والباقون يغشى بالياء وقرأ أهل البصرة كلـه لله بالرفع والباقون بالنصب. الحجة: قال أبو علي حجة من قرأ يغشى قوله إذ يغشيكم النعاس أمنة والنعاس هو الغاشي ولأن يغشى أقرب إلى النعاس فإسناد الفعل إليه أولى ويقال غشيني النعاس وغلب عليّ النعاسُ ولا يسهل غشيتني الأمنة وحجة من قرأ بالتاء أن النعاس وإن كان بدلاً من الأمنة فليس المبدل منه في طريق ما يسقط من الكلام يدلّك على ذلك قولـهم الذي مررت به زيد أبو عبد الله وقال:
وَكَأنَّهُ لَـهَقُ السَّراةُ كَأنَّهُ   ما حاجِبَيْهِ مُغَيَّرٌ بِسِوادِ
فجعل الخبر على الذي أبدل منه وحجة من نصب كلـه أن كلـه بمنزلة أجمعين في أنه الإحاطة والعموم فالوجه أن لا يلي العوامل كما لا يليها أجمعون وحجة أبي عمرو في رفعه كلـه وابتداؤه به أنه وإن كان في أكثر الأمر بمنزلة أجمعين لعمومها فقد ابتدئ بها كما ابتدئ بسائر الأسماء نحو قولـه وكلـهم آتيه يوم القيامة فرداً فابتدأ به في الآية. اللغة: الفرق بين الإصعاد والصعود أن الإصعاد في مستوى من الأرض والصعود في ارتفاع يقال أصعدنا من مكة إذا ابتدأنا السفر منها ومنه قول الشاعر:
هَوايَ مَعَ الرِّكْبِ الْيَمانينَ مُصْعِدٌ   جَنِيبٌ وَجُثْماني بِمَكَّةَ مُوثَقُ
وروي عن الحسن أنه قرأ تصعدون بفتح التاء والعين وقال إنهم صعدوا في الجبل فراراً وقال الفراء الإصعاد الابتداء في كل سفر والانحدار الرجوع عنه ولا تلون أي لا تعرجون على أحد كما يفعلـه المنهزم ولا يذكر هذه إلا في النفي لا يقال لويت على كذا وأصلـه مِن ليّ العنق للالتفات والنعاس الوسن وناقة نعوس توصف بالسماحة في الدَرّ. الإعراب: قولـه إذ تصعدون العامل في إذ قولـه ولقد عفا عنكم واللام في قولـه لكيلا تحزنوا يتعلق به أيضاً وقيل يتعلق بقولـه فأثابكم ولا تحزنوا منصوب بكي وأمنة مفعول أنزل ونعاساً بدل منها وطائفة الأولى مفعول يغشى وطائفة الثانية مرفوعة بالابتداء وخبرها يظنون وقد أهمتهم أنفسهم في موضع رفع بالصفة ويجوز أن يكون قد أهمتهم أنفسهم خبراً والواو في طائفة واو الحال على تقدير يغشى النعاس طائفة في حال ما أهمت طائفة منهم أنفسهم فالجملة في موضع الحال ويجوز النصب على أن يجعل الواو واو العطف كما تقول ضربت زيداً وعمراً أكرمته فيكون منصوباً على إضمار فعل الذي قد ظهر تفسيره. المعنى: ثم ذكر تعالى المنهزمين من أصحاب رسول الله يوم أحد فقال { إذ تصدون } معناه ولقد عفا عنكم إذ تذهبون في وادي أحد للانهزام فراراً من العدو عن قتادة والربيع { ولا تلوون على أحد } أي لا تقيمون على من خلفتم في الحرب ولا تلتفتون إليهم ولا يقف أحد منكم على أحد { والرسول } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم { يدعوكم في أخراكم } أي يناديكم من ورائكم فيقول ارجعوا إليّ عبادَ الله ارجعوا إليَّ أنا رسول الله يقال فلان جاء في آخر الناس وآخرة الناس وأخرى الناس إذا جاء خلفهم.

السابقالتالي
2 3 4