الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ }

اللغة: أصل الفاحشة الفحش وهو الخروج إلى عظيم القبح أو رأي العين فيه ولذلك قيل للطويل المفرط إنه لفاحش الطول وأفْحَش فلانٌ إذا أفصح بذكر الفحش والإِصرار أصلـه الشدّ من الصُرّة والصَرّ شدة البرد فكأنما هو ارتباط الذنب بالإقامة عليه وقيل أَصلـه الثبات على الشيء وقال الحطيئة يصف الخيل:
عَوابِسُ بِالشُعْثِ الكُماةِ إذا انْتَقَوْا   عُلالتها بِالمخْصَراتِ أصَرَّتِ
أي إذا اختاروا بقية جريها بالسياط ثبتت على جريها. الإعراب: والذين عطف على المتقين وقيل رفع على الاستئناف كأنه عطف جملة على جملة، فعلى القول الأَول هم فرقة واحدة وعلى القول الثاني هم فرقتان ويجوز أن يكون راجعاً إلى الأَولين ويكون محلـه رفعاً على المدح وقولـه إلا الله يرتفع الله حملاً على المعنى لا على اللفظ إذ ليس قبلـه جحد وتقديره وهل يغفر الذنوب أحد إلا الله أو هل رأى أحد يغفر الذنوب إلا الله ومعناه لا يغفر الذنوب إلا الله لأَن الاستفهام قد يقع موقع النفي ونعم أجر العاملين المخصوص بالمدح محذوف وتقديره ونعم أجر العاملين أجرهم. النزول: " روي أن قوماً من المؤمنين قالوا يا رسول الله بنو اسرائيل أكرم على الله منا كان أحدهم إذا أذنب أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة على عتبة بابه: اجدع أنفك أو أذنك افعل كذا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية فقال: " ألا أخبركم بخير من ذلكم " وقرأ عليهم هذه الآية " عن ابن مسعود وفي ذلك تسهيل لما كان قد شدد فيه على بني اسرائيل إذ جعل الاستغفار بدلاً منه وقيل نزلت في نبهان التمار أتته امرأة تبتاع منه تمراً فقال لـها هذا التمر ليس بجيّد وفي البيت أجود منه وذهب بها إلى بيته فضمّها إلى نفسه فقبّلـها فقالت لـه اتق الله فتركها وندم وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر لـه ذلك فنزلت الآية عن عطاء. المعنى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم } اختلفوا في الفاحشة وظلم النفس فقيل الفاحشة الزنا وظلم النفس سائر المعاصي عن السدي وجابر، وقيل الفاحشة الكبائر وظلم النفس الصغائر عن القاضي عبد الجبار ابن أحمد الـهمداني، وقيل الفاحشة اسم لكل معصية ظاهرة وباطنة إلا أنها لا تكاد تقع إلا على الكبيرة عن علي بن عيسى، وقيل فعلوا فاحشة فعلاً أو ظلموا أنفسهم قولاً { ذكروا الله } أي ذكروا وعيد الله فانزجروا عن المعصية واستغفروا لذنوبهم فيكون من الذكر بعد النسيان وإنما مدحهم لأَنهم تعرضوا للذكر وقيل ذكروا الله بأن قالوا اللهم اغفر لنا ذنوبنا فإنا تبنا نادمين عليها مقلعين عنها. وقولـه { ومن يغفر الذنوب إلا الله } من لطيف فضل الله تعالى وبليغ كرمه وجزيل منّته وهو الغاية في ترغيب العاصين في التوبة وطلب المغفرة والنهاية في تحسين الظن للمذنبين وتقوية رجاء المجرمين وهذا كما يقول السيد لعبده وقد أذنب ذنباً اعتذر إليّ ومن يقبل عذرك سواي، وإذا سئل أن العباد قد يغفر بعضهم لبعض الإِساءة فالجواب أن الذنوب التي يستحق عليها العقاب لا يغفرها إلا الله وأيضاً فإنه أراد سبحانه غفران الكبائر العظام والإِساءة من بعضنا إلى بعض صغيرة بالإِضافة إليها.

السابقالتالي
2