الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

القراءة: قرأ أهل المدينة والشام سارعُوا بغير واو وكذلك هو في مصاحفهم والباقون بالواو وكذلك هو في مصاحف مكة والعراق. الحجة: والفرق بينهما استئناف الكلام إذا كان بغير واو ووصلـها بما تقدم إذا قرئ بواو لأنه يكون عطفاً على ما تقدم ويجوز أيضاً ترك الواو لأن الجملة الثانية ملتبسة بالأولى مستغنية بذلك عن عطفها بالواو كما جاء في التنزيلثلاثة رابعهم كلبهم } [الكهف: 22]ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم } [الكهف: 22]. اللغة: أصل الكظم شدّ رأس القربة عن ملئها تقول كظمت القربة إذا ملأتها ماء ثم شددت رأسها وفلان كظيم ومكظوم إذا كان ممتلئاً حزناً وكذلك إذا كان ممتلئاً غضباً لم ينتقم وكظم البعير إذا لم يجتّر، والكظامة القناة التي تجري تحت الأرض سميت بذلك لامتلائها تحت الأرض وفي غريب الحديث لأبي عبيدة عن أوس بن أبي أوس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم فتوظأ ومسح على قدميه ويقال أخذ بكظمه أي مجرى نفسه لأنه موضع الامتلاء بالنفس والفرق بين الغيظ والغضب أن الغضب ضد الرضا وهو إرادة العقاب المستحق بالمعاصي ولعنه وليس كذلك الغيظ لأنه هيجان الطبع بتَكرُّه ما يكون من المعاصي ولذلك يقال غضب الله على الكفار ولا يقال اغتاظ منهم. المعنى: لما حذَّر الله تعالى عن الأفعال الموجبة للعقاب عقَّبه بالحثّ على الأفعال الموجبة للثواب فقال { وسارعوا } أي بادروا { إلى مغفرة من ربكم } باجتناب معاصيه ومعناه إلى الأعمال التي توجب المغفرة واختلف في ذلك فقيل سارعوا إلى الإسلام عن ابن عباس، وقيل إلى إداء الفرائض عن علي بن أبي طالب ع، وقيل إلى الـهجرة عن أبي العالية، وقيل إلى التكبيرة الأولى عن أنس بن مالك، وقيل إلى أداء الطاعات عن سعيد بن جبير، وقيل إلى الصلوات الخمس عن يمان، وقيل إلى الجهاد عن الضحاك، وقيل إلى التوبة عن عكرمة. { وجنة } أي وإلى جنة { عرضها السماوات والأرض } واختلف في معناه على أقوال أحدها: أن المعنى عرضها كعرض السماوات السبع والأرضين السبع إذا ضمّ بعض ذلك إلى بعض عن ابن عباس والحسن واختاره الجبائي والبلخي، وإنما ذكر العرض بالعظم دون الطول لأنه يدل على أن الطول أعظم من العرض وليس كذلك لو ذكر الطول دون العرض ومثل الآية قولـه:ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } [لقمان: 28] ومعناه إلا كخلق وبعث نفس واحدة وقال الشاعر:
كَأَنَّ عَذِيرَهِمْ بِجُنُوبِ سُلّى   نَعامٌ قـــاقَ فِــي بَلَد قفــارِ
أي عذير نعام وقال آخر:
حَسِبْتُ بُغامَ راحِلَتي عَناقاً   وَما هِيَ وَيْبَ غَيرِكَ بِالْعَناقِ
أي صوت عناق وثانيها: أن معناه ثمنها لو بيعت كثمن السماوات والأرض لو بيعتا كما يقال عرضت هذا المتاع للبيع والمراد بذلك عظم مقدارها وجلالة قدرها وأنه لا يساويها شيء وإن عظم عن أبي مسلم الأصفهاني وهذا وجه مليح إلا أن فيه تعسفاً وثالثها: أن عرضها لم يرد به العرض الذي هو خلاف الطول وإنما أراد سعتها وعظمها والعرب إذا وصفت الشيء بالسعة وصفته بالعرض قال امرؤ القيس:

السابقالتالي
2 3