الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

القراءة: قرأ أهل المدينة والبصرة عن أبي عمرو ترونهم بالتاء والباقون بالياء وروي في الشواذ عن ابن عباس يُرَوْنَهم بضمّ الياء. الحجة: قال أبو علي { ره } من قرأ يرونهم بالياء فلأن بعد الخطاب غيبة وهو قولـه فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم أي ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثليهم وممَّا يؤكد الياء قولـه مثليهم ولو كان على التاء لكان مثليكم وإن كان قد جاء وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ورأيت هنا المتعدية إلى مفعول واحد ويدل على ذلك تقييده برأي العين وإذا كان كذلك كان انتصاب مثليهم على الحال لا على أنه مفعول ثانٍ وأما مثل فقد يفرد في موضع التثنية والجمع فمن الإفراد في التثنية قولـه:
وَساقِيَيْنِ مِثْلِ زِبْلٍ وَجُعَلْ   
من إفراده على الجمع قولـه إنكم إذاً مثلـهم ومن جمعه قولـه ثم لا يكونوا أمثالكم ومن قرأ ترونهم فللخطاب الذي قبلـه وهو قولـه قد كان لكم آية ترونهم مثليهم فالضمير في ترونهم للمسلمين والضمير المنصوب للمشركين أي ترون أيها المسلمون المشركين مثلي المسلمين فأما قراءة ابن عباس يُرَوْنَهم فوجهه ما قالـه ابن جني أن أُرِيتُ وأُرى أقوى في اليقين من رَأيت تقول أرى أن سيكون كذا أي هذا غالب ظني وأُرى أن سيكون كذا أي أعلمه وأتحققه. اللغة: قد ذكرنا معنى الفئة عند قولـه { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة } والالتقاء والتلاقي والاجتماع واحد والأيد القوة ومنه قولـه تعالىوداود ذا الأيد } [ص: 17] يقال أدْتُهُ أئيده أيداً أي قويته وأيّدته أُؤيِّدهُ تأييداً بمعناه والعبرة الآية يقال اعتبرت بالشيء اعتباراً وعبرة والعبور النفوذ من أحد الجانبين إلى الآخر وسميت الآية عبرة لأنه يعبر عنها من منزل العلم إلى منزل الجهل والمعتبر بالشيء تارك جهلـه وواصل إلى علمه بما رأى والعبارة يَعْبُرُ بالمعنى إلى المخاطب والعبارة تفسير الرؤيا والتعبير وزن الدراهم وغيرها والعَبْرة الدمعة وأصل الباب النفوذ. الإعراب: قولـه فئة تحتمل ثلاثة أوجه من الإعراب الرفع على الاستئناف بتقدير منهم فئة كذا وأخرى كذا والجر على البدل والنصب على الحال كقول كثير:
وَكُنْتُ كَذي رِجْلَيْنِ رِجْلٍ صَحِيحَةٍ   وَرِجْلٍ رَمى فِيهَا الْزَّمَانُ فَشَلَّتِ
أنشد بالرفع والجر وقال ابن مُفَرِّغ:
وَكُنْتُ كَذي رِجْلَيْنِ رِجْلٍ صَحِيحَةٍ   وَرِجْلٍ رَماها صائــــبُ الْحَدثَانِ
فَأمــــا الْتِي صَحَّــتْ فَأَزْدُ شَنـُــوءَةٍ   وَأَمَّــــا الَّتِي شَلَّــتْ فَأَزْدُ عمانِ
وقال آخر:
إذا مِتُّ كانَ الْناسُ صِنْفَيْنِ شامِتٌ   وَآخَرُ مُثْنٍ بِالْذَي كُنْتُ أَصْنَع
ولا يجوز أن يقول مررت بثلاثة صريع وجريح بالجر لأنه لم يستوف العدة ويجوز بالرفع على تقدير منهم صريع ومنهم جريح فإن قلت مررت بثلاثة صريع وجريح وسليم جاز الرفع والجر فإن زدت فيه اقتتلوا جاز الأوجه الثلاثة والقراءة بالرفع لا غير وقولـه رأي العين يجوز أن يكون مصدراً ليرى والعين في موضع الرفع بأنه الفاعل ويجوز أن يكون ظرفاً للمكان كما يقول ترونهم أمامكم.

السابقالتالي
2 3