الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

اللغة: إنما ذكر لفظ ما لأنها أعمّ مِن مَنْ فإنها تتناول ما يعقل وما لا يعقل لأنها تفيد الجنس ولو قال مَن في السماوات لم يدخل فيه إلا العقلاء الا أن يحمل على التغليب وذلك ليس بحقيقة. المعنى: لما قال تعالى { ليس لك من الأمر شيء } عقَّب ذلك بأنّ الأمر كلـه لـه فقال { ولله ما في السماوات وما في الأرض } مِلْكاً ومُلكاً وخلقاً واقتداراً على الجميع يصرفهم كيف يشاء إيجاداً وإفناءً وإعادة { يغفر لمن يشاء } من المؤمنين ذنوبهم فلا يؤآخذهم بها ولا يعاقبهم عليها رحمة منه وفضلاً { ويعذّب من يشاء } أي ويعذب الكافرين ومن يشاء من مذنبي المؤمنين إن مات قبل التوبة عدلاً ويدلّ عليه مفسراً قولـهإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء: 48، 116] ولولا ذلك لكنا نجوز العفو على الجميع عقلاً وقيل إنما أبهم الله الأمر بالتعذيب والمغفرة فلم يبيّن من يغفر لـه ومن يشاء تعذيبه ليقف المكلف بين الخوف والرجاء فلا يأمن من عذاب الله تعالى ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ويلتفت إلى هذا قول الصادق: لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا، وقيل إنما علّق الغفران أو العذاب بالمشيئة لأن المشيئة مطابقة للحكمة فلا يشاء إلا ما تقتضي الحكمة مشيئة وسئل بعضهم كيف يعذب الله عباده بالأجرام مع سعة رحمته فقال رحمته لا تغلب حكمته إذ لا تكون رحمته برقة القلب كما تكون الرحمة منا وعن ابن عباس قال معنى الآية يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ممن لم يتب.