الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

اللغة: التَبْؤَة اتخاذ الموضع للغير يقال بَوَّات القوم منازلـهم وبوأت لـهم أيضاً أي أوطنتهم وسكنتهم إياها وتَبَوَّؤُوهم أي تَوَطَّنوا ومنه المباءة المراح لأنه رجوع إلى المستقر المتخذ ومنه بوأت بالذنب أي رجعت به محتملاً لـه والفَشَل الجبن يقال يفشل فشلاً والفَشِل الرجل الضعيف. الإعراب: العامل في إذ محذوف وتقديره وأذكر إذ غدوت وقيل هو عطف على ما تقدم في السورة من قولـه قد كان لكم آية في فئتين التقتا أي في نصرة تلك الطائفة القليلة على الطائفة الكثيرة إذ غدا النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي مسلم وقيل العامل فيه قولـه محيط وتقديره والله عالم بأحوالكم وأحوالكم إذ غدوت من أهلك وتبوىء حال من غدوت. المعنى: وأذكر يا محمد { إذ غدوت من أهلك } أي خرجت من المدينة غدوة { تبوّئ المؤمنين مقاعد } أي تهيئ للمؤمنين مواطن { للقتال } وقيل معناه تجلسهم وتقعدهم في مواضع القتال ليقفوا فيها ولا يفارقوها واختلف في أيّ يوم كان ذلك فقيل يوم أحد عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والسدي وابن أبي إسحاق وهو المروي عن أبي جعفر ع وقيل كان يوم الأحزاب عن مقاتل وقيل يوم بدر عن الحسن { والله سميع } أي يسمع ما يقولـه النبي صلى الله عليه وسلم { عليم } بما يضمرونه لأنهم اختلفوا فمنهم من أشار بالخروج ومنهم من أشار بالمقام وفيه تزكية للزاكي وتهديد للغاوي وقيل سميع بقول المشيرين على النبي صلى الله عليه وسلم عليم بضمائرهم وقيل سميع بجميع المسموعات عليم بجميع المعلومات. { إذ هَمَّت } أي قصدت وعزمت { طائفتان } أي فرقتان { منكم } أي من المسلمين { أن تفشلا } أي تجبنا والطائفتان هما بنو سلمة وبنو حارثة حيَّان من الأنصار عن ابن عباس نزلت في طائفة من المهاجرين وطائفة من الأنصار وكان سبب همّهم بالفَشَل أن عبد الله بن أبي ابن سلول دعاهما إلى الرجوع إلى المدينة عن لقاء المشركين يوم أحد فَهمَّا به ولم يفعلاه { والله وليهّما } أي ناصرهما روي عن جابر بن عبد الله أنه قال فينا نزلت وما أُحبَّ أنها لم تكن لقولـه الله وليّهما وقال بعض المحققين هذا همُّ خطرة لا هُمُّ عزيمة لأن الله تعالى مدحهما وأخبر أنه وليّهما ولو كان هَمُّ عزيمة وقصد لكان ذمهم أولى من مدحهم { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } في جميع أحوالـهم وأمورهم. ذكر غزوة أحد عن أبي عبد الله ع أنه قال: كان سبب غزوة أحد أن قريشاً لما رجعت من بدر إلى مكة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر لأنه قتل منهم سبعون وأسر سبعون قال أبو سفيان: يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم فإن الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والعداوة لمحمد فلما قريش غزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أذنوا لنسائهم في البكاء والنوح وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل وأخرجوا معهم النساء فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك جمع أصحابه وحَثّهم على الجهاد فقال عبد الله بن أبي ابن سلول يارسول الله لا نخرج من المدينة حتى نقاتل في أزّقتها فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السكك وعلى السطوح فما أرادها قوم قطّ فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودروجنا وما خرجنا إلى عدّو لنا قطّ إلا كان الظفر لهم علينا.

السابقالتالي
2 3 4