الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } * { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

اللغة: قيل في واحد آناء قولان أحدهما: إنْيٌ مثل نِحْيٍّ والآخر إنًى مثل مِعًى قال الشاعر:
حُلوٌ وَمُرٌّ كَعطْفِ القَدْحِ مُرَّتُهُ   بِكُـِّـل إِنْيٍ قَضاهُ اللَّيُلُ يَنْتَعِلُ
وحكى الأخفش أنو بالواو والمسارعة المبادرة وهي من السرعة والفرق بين السرعة والعجلة أن السرعة هي التقدم فيما يجوز أن يتقدم فيه وهي محمودة وضدها الإبطاء وهو مذموم والعجلة هي التقدم فيما لا ينبغي أن يتقدم فيه وهي مذمومة وضدها الأناة وهي محمودة. النزول: قيل سبب نزول هذه الآية أنه لما أسلم عبد الله بن سلام وجماعة قالت أحبار اليهود ما آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا شرارنا فأنزل الله { ليسوا سواءً } إلى قولـه { من الصالحين } عن ابن عباس وقتادة وابن جريج وقيل إنها نزلت في أربعين من أهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على عهد عيسى ع فصدّقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم عن عطاء. المعنى: { ليسوا سواء } اختلفوا في تقديره والقول الصحيح أن هذا وقف تام وقولـه { من أهل الكتاب } ابتداء كلام ومعناه ليس الذين ذكرنا من أهل الكتاب سواء أي ليس الذين آمنوا من أهل الكتاب { أمة قائمة } كعبد الله بن سلام وأصحابه والذين لم يؤمنوا سواء في الدرجة في والمنزلة ثم استأنف وبَيّن افتراقهم فقال { من أهل الكتاب أمة قائمة } فحصل بهذا بيان الافتراق وهذا كما لو أخبر القائل عن قوم بخبر فقال بنو فلان يعملون كذا وكذا ثم قال ليسوا سواء فإن منهم من يفعل كذا وكذا وكذلك لو ذم قبيلة بالبخل والجبن فقال غيره ليسوا سواء منهم الجواد ومنهم الشجاع فيكون منهم الجواد ومنهم الشجاع ابتداء كلام وقال أبو عبيدة هو على لغة أكلوني البراغيث ومثلـه قولـه تعالىثم عموا وصمّوا كثير منهم } [المائدة: 71] وقال الشاعر:
رَأيْنَ الغَوانِي الشَّيْبَ لاحَ بِعارِضي   فَأعْرَضْنَ عَنّي بِالخُدُودِ النَّواضِرِ
قال الزجاج والرماني وليس الأمر كما قال لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى فأخبر الله أنهم غير متساويين ولأن هذه اللغة رديئة في القياس والاستعمال وقال الفراء المعنى منهم أمة قائمة وأمة غير قائمة اكتفاء بذكر أحد الفريقين كما قال أبو ذويب:
عَصَيْتُ إِلَيْها القَلْبَ إِني لأَمْرِها   مُطِيعٌ فَما أَدْري أَرُشْدٌ طِلابُها
ولم يقل أم غيّ وقال آخر:
أواكَ فَلا أدْرِي أَهَمٌّ هَمَمْتَـــهُ   وَذَوْالَـهم قِدْماً خاشِعٌ مُتَضائِلُ
ولم يقل أم غيره لأن حالـه في التغير ينبئ أن الـهم غيره أم غيره فعلى هذا يكون رفع أمة على معنى الفعل وتقديره لا يستوي أمة هادية وأمة ضالة القول الأول رفع بالابتداء وأنكر الزجاج هذا القول وقال ما بنا حاجة هنا إلى محذوف لأن ذكر الفريقين قد جرى في قولـه منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ثم قال ليسوا سواء ولا يحتاج إلى أن يُقّدر وأمة غير قائمة وقد تقدّم صفتهم في قولـه ويكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء.

السابقالتالي
2