الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

اللغة: تقاة من وقيت قال الزجاج يجوز فيه ثلاثة أوجه تقاة ووقاة وأقاة حملـه على قياس وجوه وأوجه وإن كان هذا المثال لم يجىء منه شيء على الأَصل نحو تخمة وتكاة غير أنه حملـه على الأَكثر من نظائره، والحبل السبب الذي يوصل به إلى البغية كالحبل الذي يتمسك به للنجاة من بئر أو نحوها ومنه الحبل للأَمان لأَنه سبب النجاة قال الأَعشى:
وَإذا تَجَوَّزَها حِبـــالُ قَبِيلَةٍ   أخَذَتْ مِنَ الأُخْرى إلَيْكَ حِبلَـها
ومنه الحبل للحمل في البطن وأصل الحبل المفتول قال ذو الرمة:
هَلْ حَبْلُ خَرْقَاءَ بَعْدَ الْيَومِ مَرْمُومُ   أمْ هَـــلْ لَـهــا آخِرَ الأَيَّامِ تَكْلِيــمُ
وشفا الشيء مقصور حرفه ويثنى شفوان وجمعه اشفاء وأشفى على الشيء أشرف عليه وأشفى المريض على الموت من ذلك. الإِعراب: قولـه { وأنتم تعلمون } جملة في موضع الحال وقولـه { جميعاً } نصب على الحال أيضاً أي واعتصموا في حال اجتماعكم أي كونوا مجتمعين على الاعتصام لا تفرقوا أصلـه أي لا تتفرقوا فحذف أحد التاءين كراهة لاجتماع المثلين والمحذوفة الثانية لأَن الأُولى علامة للاستقبال وهو مجزوم بالنهي وعلامة الجزم سقوط النون وقولـه تعالى { فأنقذكم منها } الكناية في منها عادت إلى الحفرة وترك شفا ومثلـه قول العجاج:
طُولُ اللَّيالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي   طَوَيْنَ طُولِي وَطَوَيْنَ عَرْضِي
فَتَرَك الطول وأخبر عن الليالي. النزول: قال مقاتل افتخر رجلان من الأَوس والخزرج ثعلبة بن غنم من الأَوس وأسعد بن زرارة من الخزرج فقال الأَوسي: منا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ومنا حنظلة غسيل الملائكة ومنا عاصم بن ثابت بن أفلح حمي الدين ومنا سعد بن معاذ الذي اهتزَّ عرش الرحمن لـه ورضي الله بحكمه في بني قريظة وقال الخزرجي: منا أربعة احكموا القرآن أبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد ومنا سعد بن عبادة خطيب الأَنصار ورئيسهم، فجرى الحديث بينهما فغضبا وتفاخرا وناديا فجاء الأَوس إلى الأَوسي والخزرج إلى الخزرجي ومعهم السلاح فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فركب حماراً وأتاهم فأنزل الله هذه الآيات فقرأها عليهم فاصطلحوا. المعنى: لمّا نهى تعالى عن قبول أقوال الكافرين بَيّن في هذه الآية ما يجب قبول فقال { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تقاته } معناه واتقوا عذاب الله أي احترسوا وامتنعوا بالطاعة من عذاب الله كما يحق فكما يجب أن يتقي ينبغي أن يحترس منه. وذكر في قولـه { حق تقاته } وجوه أحدها: أن معناه أن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى عن ابن عباس وابن مسعود والحسن وقتادة وهو المروي عن أبي عبد الله ع وثانيها: أنه اتقاء جميع معاصيه عن أبي علي الجبائي وثالثها: أنه المجاهدة في الله تعالى وأن لا تأخذه فيه لومة لائم وأن يقام لـه بالقسط في الخوف والأَمن عن مجاهد.

السابقالتالي
2 3