الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } * { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

اللغة: الطاعة موافقة الإِرادة الجاذبة للفعل بالترغيب فيه والإِجابة موافقة الإِرادة الداعية إلى الفعل ولذلك يجوز أن يكون الله مجيباً إلى عبده إذا فعل ما دعا العبد به ولم يجز أن يكون مطيعاً لـه وأصل الاعتصام الامتناع وعصمه يعصمه إذا منعه ولا عاصم اليوم من أمر الله أي ولا مانع والعصام الحبل لأَنه يعتصم به والعصم الأَوعال لامتناعها بالجبال. النزول: نزلت في الأَوس والخزرج لما أغرى قوم من اليهود بينهم بذكر حروبهم في الجاهلية ليفتنوهم عن د ينهم عن زيد بن أسلم والسدي وقيل نزل قولـه { وكيف تكفرون } في مشركي العرب عن الحسن. المعنى: ثم حذَّر المؤمنين عن قبول قولـهم فقال { يا أيها الذين آمنوا } أي صدقوا الله ورسولـه وهو خطاب للأَوس والخزرج ويدخل غيرهم من المؤمنين في عموم اللفظ { إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب } معناه إن تطيعوا هؤلاء اليهود في قبول قولـهم وإحياء الضغائن التي كانت بينكم في الجاهلية { يردّوكم بعد إيمانكم كافرين } أي يرجعوكم كفاراً بعد إيمانكم ثمّ أكد تعالى الأَمر وعظم الشأن { وكيف تكفرون } أي وعلى أيّ حال يقع منكم الكفر { وأنتم تتلى عليكم آيات الله } وهذا استبعاد أن يقع منهم الكفر مع معرفتهم بآيات الله وفيهم داع يدعوهم إلى الإِيمان وقيل هو على التعجيب أي لا ينبغي لكم أن تكفروا مع ما يقرأ عليكم في القرآن المجيد من الآيات الدالة على وحدانية الله ونبوة نبيه صلى الله عليه وسلم. { وفيكم رسولـه } يعني محمداً ترون معجزاته والكفر إن كان فظيعاً في كل حال فهو في مثل هذه الحالة أفظع ويجوز أن يكون المراد بقولـه { وفيكم رسولـه } القوم الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم خاصة ويجوز أن يكون المراد به جميع أمته لأَن آثاره وعلامته من القرآن وغيره فينا قائمة باقية وذلك بمنزلة وجوده فينا حياً { يعتصم بالله } أي يتمسك بكتابه وآياته وبدينه وقيل من يمتنع بالله عمن سواه بأن يعبده لا يشرك به شيئاً وقيل من يمتنع عن الكفر والـهلاك بالإِيمان بالله وبرسولـه { فقد هدي إلى صراط مستقيم } أي إلى طريق واضح. قال قتادة في هذه الآية علمان بيّنان كتاب الله ونبي الله، فأما نبي الله فقد مضى وأما كتاب الله فأبقاه الله بين أظهركم رحمة منه ونعمة فيه حلالـه وحرامه وطاعته ومعصيته، وقيل إنهم قد شاهدوا في نفسه صلى الله عليه وسلم معجزات كثيرة منها أنه كان يرى من خلفه كما يرى من قدّامه ومنها أنه كان ينام عينه ولا ينام قلبه ومنها أن ظلّـه لم يقع على الأَرض ومنها أن الذباب لم يقع عليه، ومنها أن الأَرض كانت تبتلع ما يخرج منه وكان لا يرى لـه بول ولا غائط، ومنها أنه كان لا يطولـه أحد وإن طال، ومنها أنه كان بين كتفيه خاتم النبوة، ومنها أنه كان إذا مرَّ بموضع يعلمه الناس لطيبه، ومنها أنه كان يسطع نور من جبهته في الليلة المظلمة، ومنها أنه قد ولد مختوناً إلى غير ذلك من الآيات.