الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } * { فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ }

اللغة: الثقل متاع البيت وجمعه أثقال وهو من الثقل يقال: ارتحل القوم بثقلهم وثقلتهم أي بأمتعتهم ومنه الحديث: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض " قال ثعلب: سمّيا به لأن الأخذ بموجبهما ثقيل وقال غيره إن العرب تقول لكل شيء خطير نفيس ثقل فسمّاهما ثقلين تفخيماً لشأنهما وكل شيء يتنافس فيه فهو ثقل ومنه سمي الجن والإنس ثقلين لأنهما فضلا على غيرهما من الخلق والطوفان الماء الكثير الغامر لأنه يطوف بكثرته من نواحي الأرض. قال الراجز:
أفنـاهم الطـوفان مـوت جـارفُ   
الجرف الأخذ الكثير وقد جرفت الشيء أجرفه بالضم جرفاً أي ذهبت به كله شبَّه الموت في كثرته بالطوفان. الإعراب: قوله { بحاملين من خطاياهم } من شيء تقديره وما هم بحاملين من شيء من خطاياهم فقوله { من خطاياهم } في الأصل صفة لشيء فقدّم عليه فصار في موضع نصب على الحال. ألف سنة نصب على الظرف خمسين نصب على الاستثناء وعاماً تمييزه. المعنى: ثم أقسم سبحانه فقال { وليعلمن الله الذين آمنوا } بالله على الحقيقة ظاهراً وباطناً { وليعلمن المنافقين } فيجازيهم بحسب أعمالهم. قال الجبائي: معناه وليميزنَّ الله المؤمن من المنافق فوضع العلم موضع التمييز توسعاً وقد مرَّ بيانه وفي هذه الآية تهديد للمنافقين بما هو معلوم من حالهم التي استهزؤوا بها وتوهَّموا أنهم قد نجوا من ضررها بإخفائها فبيَّن أنها ظاهرة عند من يملك الجزاء عليها وأنه يحل الفضيحة العظمى بها. { وقال الذين كفروا } نعم الله وجحدوها { للذين آمنوا } أي صدقوا بتوحيده وصدق رسله { اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم } أي ونحن نحمل آثامكم عنكم إن قلتم إن لكم في اتباع ديننا إثماً ويعنون بذلك أنه لا إثم عليكم باتباع ديننا ولا يكون بعث ولا نشور فلا يلزمنا شيء مما ضمنا والمأمور في قوله { ولنحمل } هو المتكلم به نفسه في مخرج اللفظ والمراد به إلزام النفس هذا المعنى كما يلزم الشيء بالأمر وفيه معنى الجزاء وتقديره أن تتبعوا ديننا حملنا خطاياكم عنكم. ثم قال سبحانه { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } أي لا يمكنهم حمل ذنوبهم عنهم يوم القيامة فإن الله سبحانه عدل لا يعذب أحداً بذنب غيره فلا يصحُّ إذاً أن يتحمل أحد ذنب غيره وهذا مثل قولهولا تزر وازرة وزر أخرى } [فاطر: 18]وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } [النجم: 39] ولا يجري هذا مجرى تحمل الدية عن الغير لأن الغرض في الدية أداء المال عن نفس المقتول فلا فرق بين أن يؤديه زيد عنه وبين أن يؤديه عمرو فإنه بمنزلة قضاء الدين { إنهم لكاذبون } فيما ضمنوا من حمل خطاياهم.

السابقالتالي
2