الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } * { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } * { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } * { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ }

القراءة: قرأ حفص عن عاصم ويعقوب وسهل لخسف الخاء والسين وهو قراءة الحسن والأعرج وشيبة ومجاهد والباقون لخُسف بضم الخاء وكسر السين وقرأ يعقوب وَيْكَ يقف عليها ثم يبتدي فيقول أنه. الحجة: قال أبو علي: من قرأ الخسف بنا بفتح الخاء فلتقدم ذكر الله تعالى ومن قرأ بضم الخاء فبنى الفعل للمفعول به فإنه يؤول إلى الأول في المعنى. وقال ابن جني في ويكأنه ثلاثة أقوال منهم من جعلها كلمة واحدة فلم يقف على وي ومنهم من وقف علي وي ومنهم من قال ويك وهو مذهب أبي الحسن والوجه فيه عندنا هو قول الخليل وسيبويه وهو أن وَيْ اسم سمّي به الفعل في الخبر فكأنه اسم أعجب ثم ابتدأ فقال كأنه لا يفلح الكافرون وكأن الله يبسط الرزق فوي منفصلة من كأن وعليه بيت الكتاب:
سَــأَلْتَاني الّطَــــلاقَ إنْ رأَتــاني   قّلَّ مالـــي قَدْ جِئْتُمــاني بِنُكْـــرِ
وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْــ   بَـبْ وَمَــــنْ يَفْتَقِـــرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرٍّ
ومما جاءت فيه كأن عارية من مضى التشبيه ما أنشده أبو علي:
كَأَنَّني حِينَ أُمْسي لا تُكَلِّمُني   مُتَيَّمٌ يَشْتَهي ما لَيْسَ مَوْجُودا
أي أنا حين أمسي متيّم من حالي كذا ومن قال أنها ويك فكأنه قال أعجب لأنه لا يفلح الكافرون وأعجب لأن الله يبسط الرزق وهو قول أبي الحسن وينبغي أن يكون الكاف هنا حرف خطاب بمنزلة الكاف في ذلك وأولئك ويشهد لهذا قول عنترة:
لَقَدْ شَفا نَفْسي وأَذْهَبَ سُقْمَها   قيلُ الْفَوارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ
وقول من قال ويكأنه كلمة واحدة إنما يريد به أنه لا يفصل بعضه من بعض. اللغة: البغي طلب العتو بغير حق ومنه قيل لِولاة الجور بغاة، والكنز جمع المال بعضه على بعض وصار بالعرف عبارة عما يخبأ تحت الأرض ولا يطلق في الشرع اسم الكنز إلا على مال لا تخرج زكاته للوعيد الذي جاء فيه. والمفاتح جمع مفتح والمفاتيح جمع مفتاح ومعناهما واحد وهو عبارة عما يفتح به الإغلاق. وناء بحمله ينوء نوءاً إذا نهض به مع ثقله عليه ومنه أخذت الأنواء لأنها تنهض من المشرق على ثقل نهوضها. وقال أبو زيد: ناءني الحمل إذا أثقلني والعصبة الجماعة الملتفّ بعضها ببعض يقال ناءت المفاتيح بالعصبة وأناءت العصبة بمعنى كما يقال ذهبت به وأذهبته فالباء والهمز يتعاقبان في تعدّي الفعل قال سبحانهفأجاءها المخاض } [مريم: 23] أي جاء بها. وقال أبو عبيدة: هذا من المقلوب ومعنى قوله لتنوء بالعصبة تنوء العصبة بها كما قال الشاعر:
إنَّ سِــراجاً لَكَــريـمٌ مَفْخَرُهُ   تَجْلى بِهِ العَيْنُ إذا ما تَجْهَرُهْ
ومعناه يجلي بالعين فقلبت وقال آخر:
كانَتْ عُقُوبَةُ ما جَنَيْتُ كَما   كـانَ الزَّناءُ عُقُوبَة الرَّجْمِ

السابقالتالي
2 3 4 5