الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ } * { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

المعنى: ثم ذكر سبحانه التائبين ورغَّب في التوبة بعد التخويف فقال { فأما من تاب } أي رجع عن المعاصي والكفر { وآمن وعمل صالحاً } أي وأضاف إلى إيمانه الأعمال الصالحة { فعسى أن يكون من المفلحين } وإنما أتى بلفظة عسى مع أنه مقطوع بفلاحه لأنه على رجاء أن يدوم على ذلك فيفلح وقد يجوز أن يزل فيما بعد فيهلك على أنه قد قيل إن عسى من الله سبحانه لفظة وجوب في جميع القرآن. ولما كان المفلح مختار الله تعالى ذكر عقيبة أن الاختيار إلى الله تعالى والخلق والحكم له لكونه قادراً عالماً على الكمال فقال { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة } الخيرة اسم من الاختيار أقيم مقام المصدر والخيرة اسم للمختار أيضاً يقال محمد صلى الله عليه وسلم خيرة الله من خلقه ويجوز التخفيف فيهما واختلف في الآية وتقديرها على قولين: أحدهما: أن معناه وربك يخلق ما يشاء من الخلق ويختار تدبير عباده على ما هو الأصلح لهم ويختار للرسالة ما هو الأصلح لعباده ثم قال ما كان لهم الخيرة أي ليس لهم الاختيار على الله بل لله الخيرة عليهم وعلى هذا تكون ما نفيا ويكون الوقف على قوله ويختار وفيه ردّ على المشركين الذين قالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فاختاروا الوليد بن المغيرة من مكة وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف. والآخر: أن يكون ما في الآية بمعنى الذي أي ويختار الذي كان لهم الخيرة فيه فيكون الوقف على هذا عند قوله ما كان لهم الخيرة وهذا أيضاً في معنى الأول لأن حقيقة المعنى فيهما أنه سبحانه يختار وإليه الاختيار ليس دونه الاختيار يجب أن يكون على العلم بأحوال المختار ولا يعلم غيره سبحانه جميع أحوال المختار ولأن الاختيار هو أخذ الخير وكيف يأخذ الخير من الأشياء من لا يعلم الخير فيها. { سبحان الله وتعالى عما يشركون } أي تقدَّس وتنزَّه عن أن يكون له شريك في خلقه واختياره. ثم أقام سبحانه البرهان على صحة اختياره بقوله { وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون } أي وربك يعلم ما يخفونه وما يظهرونه فإليه الاختيار وفي هذا دلالة على أن من لا يعلم السر والجهر فلا اختيار إليه ثم أكَّد سبحانه ذلك بقوله { وهو الله لا إله إلا هو } لا يستحق العبادة سواه { له الحمد في الأولى والآخرة } أي له الثناء المدح والتعظيم على ما أنعم به على خلقه في الدنيا والعقبى { وله الحكم } بينهم بما يميز به الحق من الباطل. قال ابن عباس: يحكم لأهل طاعته بالمغفرة والفضل ولأهل معصيته بالشقاء والويل { وإليه } أي وإلى جزائه وحكمه { ترجعون }.