الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } * { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } * { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

القراءة: قرأ أهل المدينة ويعقوب وسهل تجبى بالتاء والباقون بالياء وقرأ أبو عمرو أفلا تعقلون بالياء كيف شئت والباقون بالتاء. الحجة: قال أبوعلي: تأنيث ثمرات جمع وليس بتأنيث حقيقي فيكون بمنزلة الوعظ والموعظة والصوت والصيحة إذا ذكَّرت جاز وإذا أنثت جاز وحجة من قرأ أفلا تعقلون بالتاء قوله فما أوتيتم والياء على أفلا يعقلون يا محمد. اللغة: التخطف أخذ الشيء على وجه الاستلاب من كل وجه يقال تخطفه تخطفاً واختطفه اختطافاً وخطفه يخطفه خطفاً قال امرؤ القيس:
تَخَطَّفُ خِزَّانَ الأُنَيْعِمِ بِالْضُحى   وَقَدْ حَجَرَتْ مِنْها ثَعالِبُ أَوْرالِ
يجبي من جبيت الماء في الحوض أي جمعته والجابية الحوض والبطر الطغيان عند النعمة. قال ابن الأعرابي: البطر سوء احتمال الغني وقيل أن أصله من قولهم ذهب دمه بطراً أي باطلاً عن الكسائي. وقيل: هو أن يتكبر عند الحق فلا يقبله. الإعراب: رزقاً مصدر وضع موضع الحال تقديره يجبي إليه ثمرات كل شيء من رزقه ويجوز أن يكون مصدر الفعل محذوف تقديره نرزق ويجوز أن يكون مصدراً من معنى قوله يجبى إليه ثمرات لأنه في معنى رزق فيكون مثل قولهم حمدته شكراً ويجوز أن يكون مفعولاً له وقوله من لدنا في موضع نصب على الصفة لقوله رزقاً وكم أهلكنا أي كثيراً من القرى أهلكنا فكم في موضع نصب بأهلكنا ومن قرية في موضع نصب على التمييز لأن كم الخبرية إذا فصل بينها وبين مميزها بكلام نصب كما ينصب كم الاستفهامية معيشتها انتصب بقوله بطرت وتقديره في معيشتها فحذف الجار فأفضى الفعل. فتلك مساكنهم مبتدأ وخبر. لم تسكن في موضع نصب على الحال والعامل فيه معنى الإشارة في تلك قليلاً صفة مصدر محذوف تقديره إلا سكوناً قليلاً أو صفة ظرف تقديره وقتاً أو زماناً قليلاً. النزول: قيل نزل قوله { إنك لا تهدي من أحببت } في أبي طالب فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبّ إسلامه فنزلت هذه الآية وكان يكره إسلام وحشي قاتل حمزة فنزل فيهيا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } [الزمر: 53] فلم يسلم أبو طالب وأسلم وحشي ورووا ذلك عن ابن عباس وغيره وفي هذا نظر كما ترى فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يخالف الله سبحانه في إرادته كما لا يجوز أن يخالفه في أوامره ونواهيه وإذا كان الله تعالى على ما زعم القوم لم يرد إيمان أبي طالب وأراد كفره وأراد النبي صلى الله عليه وسلم إيمانه فقد حصل غاية الخلاف بين إرادتي الرسول صلى الله عليه وسلم والمرسل فكأنه سبحانه يقول على مقتضى اعتقادهم أنك يا محمد تريد إيمانه ولا أريد إيمانه ولا أخلق فيه الإِيمان مع تكفله بنصرتك وبذل مجهوده في إعانتك والذب عنك ومحبته لك ونعمته عليك وتكره أنت إيمان وحشي لقتله عمك حمزة وأنا أريد إيمانه وأخلق في قلبه الإِيمان وفي هذا ما فيه.

السابقالتالي
2 3