الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ }

القراءة: قرأ ابن كثير قال موسى بغير واو وكذلك هو في مصاحف مكة والباقون وقال بالواو وقرأ نافع وأهل الكوفة غير عاصم من يكون بالياء والباقون بالتاء وقرأ أهل الكوفة غير عاصم ويعقوب لا يرجعون بفتح الياء والباقون بضم الياء وفتح الجيم. الحجة: قال أبو علي: قد مضى القول في نحو هذا فيما قبل وكذلك في نحو الياء والتاء من يكون وكلاهما حسن وكذلك قد مضى فيما تقدم القول في يُرجعون ويَرجعون. اللغة: الصرح البناء العالي كالقصر وأصله من الظهور فالتصريح شدة ظهور المعنى قال الشاعر:>
بِهِــنَّ نَـامٌ بَنـاهَا الرِّجالُ   تَحْسِبُ أعْلامَهُنَّ الصُّرُوحا
والنبذ الإلقاء والطرح والشيء منبوذ قال أبو الأسود:
نَظَــرْتُ إلـى عُنْوانِهِ فَنَبَذْتُهُ   كَنَبْذِكَ نَعْلاً أخْلَقَتْ مِنْ نِعالِكا
والقبح الإبعاد قبحه الله أي أبعده يقبحه قبحاً ويقال قبحه إذا جعله قبيحاً. وقيل: قبحه فهو مقبوح أهلكه. الإعراب: بينات نصب على الحال. ما سمعنا بهذا يحتمل أن تكون الباء زائدة ويحتمل أن تكون على أصلها وقوله { بغير الحق } الجار والمجرور في موضع نصب على الحال والتقدير واستكبر هو وجنوده مبطلين. ويدعون صفة الأئمة. ويوم القيامة ظرف لفعل يدل عليه قوله { من المقبوحين } على تقدير قبحوا يوم القيامة لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول والألف واللام في المقبوحين موصول وتقديره الذين قبحوا. المعنى: ثم قال سبحانه { فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات } التقدير فمضى موسى إلى فرعون وقومه فلما جاءهم بآياتنا أي بحججنا البينات ومعجزاتنا الظاهرات { قالوا ما هذا إلا سحر مفترى } أي مختلق مفتعل لم يُبنَ على أصل صحيح لأنه حيلة توهم خلاف الحقيقة فوصفوا الآيات بالسحر والاختلاق على هذا المعنى جهلاً منهم وذهاباً عن الصواب { وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } أي لم نسمع ما يدعيه ويدعو إليه في آبائنا الذين كانوا قبلنا وإنما قالوا ذلك مع اشتهار قصة نوح وهود وصالح وغيرهم من النبيين الذين دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته لأحد أمرين إما للفترة التي دخلت بين الوقتين والزمان الطويل وإما لأن آباءهم ما صدقوا بشيء من ذلك ولا دانوا به فيكون المعنى ما سمعناه بآبائنا أنهم صدقوا الرسل فيما جاؤوا به ووجه شبهتهم في ذلك أنهم قالوا إنهم الكبراء فلو كان حقاً لأدركوه فإنه لا يجوز أن يدرك الحق الأنقص في الرأي والعقل ولا يدركه الأفضل فيهما وهذا غلط لأن ما طريقه الاستدلال لا يمتنع أن يصيبه الأدون في الرأي إذا سلك طريقه ولا يصيبه الأكمل في الرأي إذا لم يسلك طريقه. { وقال موسى } مجيباً لهم { ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار } ومعناه ربي يعلم إني جئت بهذه الآيات الدالة على الهدى من عنده فهو شاهد لي على ذلك إن كذبتموني ويعلم أن العاقبة الحميدة لنا ولأهل الحق والإنصاف وهذا كما يقال على سبيل المظاهرة الله أعلم بالمحق منا والمبطل وحجتي ظاهرة فأكثرها إن قدرت على ذلك { إنه لا يفلح الظالمون } أي لا يفوز بالخير من ظلم نفسه وعصى ربه وكفر نعمه.

السابقالتالي
2