الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } * { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }

القراءة: في الشواذ ما رواه وهب عن ابن عباس ألا تغلوا بالغين المعجمة من الغلو. المعنى: ولما سمع سليمان ما اعتذر به الهدهد في تأخّره { قال } عند ذلك { سننظر أصدقت } في قولك الذي أخبرتنا به { أم كنت من الكاذبين } وهذا ألطف وألين في الخطاب من أن يقول أم كذبت لأنه قد يكون من الكاذبين بالميل إليهم وقد يكون منهم بالقرابة تكون بينه وبينهم وقد يكون منهم بأن يكذب كما كذبوا. ثم كتب سليمان كتاباً وختمه بخاتمه ودفعه إليه فذلك قوله { اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم } يعني إلى أهل سبأ { ثم تول عنهم } أي أستتر منهم قريباً بعد إلقاء الكتاب إليهم فانظر ماذا يرجعون عن وهب بن منبه وغيره. وقيل: إنه على التقديم والتأخير { فانظر ماذا يرجعون } أي ماذا يردّون من الجواب ثم تول عنهم لأن التولي عنهم بعد الجواب عن مقاتل وابن زيد والجبائي وأبي مسلم والأول أوجه لأن الكلام إذا صحَّ من غير تقديم وتأخير كان أولى وفي الكلام حذف تقديره. فمضى الهدهد بالكتاب وألقاه إليهم فلما رأته بلقيس { قالت } لقومها { يا أيها الملأ } أي الأشراف { إني ألقي إلي كتاب كريم }. قال قتادة: أتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها فألقى الكتاب على نحرها فقرأت الكتاب. وقيل: كانت لها كوة مستقبلة للشمس تقع الشمس عندما تطلع فيها فإذا نظرت إليها سجدت فجاء الهدهد إلى الكوة فسدَّها بجناحه فارتفعت الشمس ولم تعلم فقامت تنظر فرمى الكتاب إليها عن وهب وابن زيد فلما أخذت الكتاب جمعت الأشراف وهم يومئذ ثلاثمائة عشر قيْلاً ثم قالت لهم إني ألقي إلي كتاب كريم سمته كريماً لأنه كان مختوماً عن ابن عباس ويؤيده الحديث: " إكرام الكتاب ختمه " وقيل: وصفته بالكريم لأنه صدره ببسم الله الرحمن الرحيم. وقيل: لحُسْن خطه وجودة لفظه وبيانه. وقيل: لأنه كان ممن يملك الإنس والجن والطير وقد كانت سمعت بخبر سليمان فسمته كريماً لأنه من كريم رفيع الملك عظيم الجاه. { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } معناه أن الكتاب من سليمان وأن المكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم { ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين } فإن هذا القدر جملة نا في الكتاب وأول من استفتح ببسم الله الرحمن الرحيم سليمان ع ولم تعرفه هي ولا قومها. وقيل: إن هذا حكاية ما قالته على المعنى باللغة العربية وإن لم تقل هي بهذا اللفظ والحكاية على ثلاثة أوجه حكاية على المعنى فقط وحكاية على اللفظ فقط ممن حكاه من غير أن يعلم معناه وحكاية على اللفظ والمعنى وهو الأصل في الحكاية التي لا يجوز العدول عنها إلا بقرينة وموضع ألا تعلوا يجوز أن يكون رفعاً بالبدل من كتاب ويجوز أن يكون نصباً على معنى بأن لا تعلوا والصحيح أنَّ أنْ في مثل هذا الموضع بمعنى أي على ما قاله سيبويه في نحو قولهوانطلق الملأ منهم أن امشوا } [ص: 6] أي أمشوا ومعناه لا تترفعوا ولا تتكبروا عليَّ وأتوني مسلمين أي منقادين طائعين لأمري فيما أدعوكم. وقيل: مسلمين مؤمنين بالله تعالى ورسوله مخلصين في التوحيد. قال قتادة: وكذا كانت الأنبياء تكتب كتبها موجزة مقصورة على الدعاء إلى الطاعة من غير بسط.