الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } * { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ }

اللغة: الوزع أصله المنع والكفّ يقال وزعه عن الظلم قال النابغة:
عَلى حِينَ عاتَبْتُ المَشِيبِ عَلَى الصِّبا   وَقُلْتُ ألَمَّا تَصْــحُ وَالشَّيــبُ وازعُ
وقال آخر:
ألَـمْ تَزعِ الْهَوى إذْ لَمْ تُواتي   بَلى وَسَلَوْتُ عَنْ طَلَبِ الْفَتاةِ
والحطم الكسر ومنه الحطمة من أسماء جهنم والحطام ما تحطم والإيزاع الإلهام وفلان موزع بكذا أي مولع به. قال الزجاج: أوزعني تأويله في اللغة كفّني عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك وكفني عما يباعد منك. الإعراب: لا يحطمنكم في موضع جزم لأنه جواب الأمر. قال الزجاج: ضاحكاً حال مؤكدة لأن تبسم في معنى ضحك وقال بعض المتأخرين يجوز أن يكون حالاً بعد الفراغ من الفعل لأن التبسم دون الضحك فكأنه تبسم أولاً ثم آل أمره إلى الضحك. المعنى: ثم عطف سبحانه على قصة موسى ع قصة داود وسليمان ع فقال سبحانه { ولقد آتينا داود وسليمان علماً } أي علماً بالقضاء بين الخلق وبكلام الطير والدواب عن ابن عباس { وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين } أي اختارنا من بين الخلق بأن جعلنا أنبياء وبالمعجزة والملك والعلم الذي أتاناه وبإلانة الحديد وتسخير الشياطين والجن والإنس وإنما نكر قوله علماً ليدل على أنه أراد علماً احتاجا إليه مما ينبىء عن صدقهما في دعوى الرسالة. { وورث سليمان داود } في هذا دلالة على أن الأنبياء يورثون المال كتوريث غيرهم وهو قول الحسن. وقيل: معناه أنه ورثه علمه ونبوته وملكه دون سائر أولاده ومعنى الميراث هنا أنه قام مقامه في ذلك فأطلق عليه اسم الإرث كما أطلق على الجنة اسم الإرث عن الجبائي وهذا خلاف للظاهر والصحيح عند أهل البيت ع هو الأول. { وقال } سليمان مظهراً لنعمة الله وشاكراً إياها { يا أيها الناس علمنا منطق الطير } أهل العربية يقولون إنه لا يطلق النطق على غير آدم وإنما يقال الصوت لأن النطق عبارة عن الكلام ولا كلام للطير إلا أنه لما فهم سليمان معنى صوت الطير سمّاه منطقاً مجازاً. وقيل: إنه أراد حقيقة المنطق لأن من الطير ما له كلام مهجي كالطيطوي. قال المبرد: العرب تسمي كل مبين عن نفسه ناطقاً ومتكلماً قال رؤبة:
لَوْ أنَّنِي أُعْطِيتُ عِلْمَ الْحُكْلِ   عِلْـــمَ سُلَيْمــانَ كَلامَ النَّمْلِ
والحكل ما لا يسمع له صوت. وقال علي بن عيسى: إن الطير كانت تكلم سليمان معجزة له كما أخبر عن الهدهد ومنطق الطير صوت يتفاهم به معانيها على صيغة واحدة بخلاف منطق الناس الذي يتفاهمون به المعاني على صيغ مختلفة ولذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها ولم تفهم هي عنا لأن أفهامها مقصورة على تلك الأمور المخصوصة ولما جعل سليمان يفهم عنها كان قد علم منطقها.

السابقالتالي
2 3