الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً } * { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } * { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } * { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } * { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } * { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً }

القراءة: قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة غير حفص وذريتنا والباقون ذرياتنا على الجمع وقرأ يلقون بفتح الياء والتخفيف أهل الكوفة غير حفص والباقون يُلقّون بضم الياء والتشديد وفي قراءة أهل البيت ع واجعل لنا من المتقين إماماً والقراءة المشهورة واجعلنا للمتقين إماماً وفي قراءة ابن عباس وابن الزبير فقد كذب الكافرون. الحجة: قال أبو علي: الذرية تكون واحدة وتكون جمعاً فمن قرأ وذريتنا على الإفراد فإنه أراد به الجمع فاستغنى عن جمعه لما كان جمعاً ومن جمع فكما يجمع هذه الأسماء التي تدل على الجمع نحو قوم وأقوام وجاء في الحديث: " صواحبات يوسف " وحجة من قرأ ويُلَقّون قوله ولقّاهم نضرة وسروراً وحجة من خفف فسوف يلقون غياً ومن قرأ فقد كذب الكافرون ترك لفظ الحضور إلى الغيبة ألا ترى أن قبله قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم. اللغة: القُرَّة مصدر يقال قرَّت عينه قرة ويكون من القرور وهو برد العين عند السرور ويكون أيضاً مكن استقرارها عند السرور وقوله إماماً مصدر من أمّ فلان فلاناً إماماً كما قيل قام قياماً وصام صياماً ولذلك وحدَّه هنا ومن جمع إماماً فقال أئمة فَلأَنه قد كثر في معنى الصفة. وقيل: إنه إنما وحَّد لأنه جاء على الجواب كقول القائل من أميركم فيقول المجيب هؤلاء أميرنا قال الشاعر:
يا عاذِلاتِي لا تُرِدْنَ مَلامَتي   إنَّ الْعَــواذِل لسْـنَ لـي بِأميرِ
وقيل إنما وحّد لأن المعنى واجعل كل واحد منا إماماً فاجمل فالمعنى معنى التفصيل. وقال الزجاج: تأويل ما يعبؤ بكم أي وزن يكون لكم عنده كما يقال ما عبأت بفلان أي ما كان له عندي وزن ولا قدر وأصل العبء في اللغة الثقل. وقيل: أصله من تهيئة الشيء يقال عبئت الطيب أعبؤ عبأ إذا هيأته قال الشاعر يصف أسداً
كَـأَنَّ بِنَحْـرِهِ وبِمَنْكَبَيْـهِ   عَبيراً، باتَ تَعْبَأُهُ عَرُوسُ
أي تهيئه وعبأت الجيش بالتشديد والتخفيف إذا هيّأته وما أعبؤ به أي لا أهيء به أمراً. المعنى: ثم قال سبحانه: { ومن تاب } أي أقلع عن معاصيه وندم عليها { وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً } أي يرجع إليه مرجعاً عظيماً جميلاً وفرَّق علي بن عيسى بين التوبة إلى الله والتوبة من القبيح لقبحه بأنَّ التوبة إلى الله تقتضي طلب ثوابه وليس كذلك التوبة من القبيح لقبحه فعلى هذا يكون المعنى من عزم على التوبة من المعاصي فإنه ينبغي أن يوجّه توبته إلى الله بالقصد إلى طلب جزائه ورضائه عنه فإنه يرجع إلى الله فيكافيه. وقيل: معناه من تاب وعمل صالحاً فقد انقطع إلى الله فاعرفوا ذلك له فإن من انقطع إلى خدمة بعض الملوك فقد أحرز شرفاً فكيف المنقطع إلى الله سبحانه.

السابقالتالي
2 3