الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

اللغة: الحَرَج الضيق من الحَرَجة وهي الشجر الملتف بعضه ببعض لضيق المسالك فيه وجمعها حَرَجات وحِراج قال:
أَيا حَرَجاتَ الحَيِّ حِينَ تَحَمَّلوُا   بِــذي سَلَمٍ لا جــادَكُنَّ رَبيعُ
وحرج فلان إذا أَثم وتحرج من كذا إذا تأثم من فعله الأشتات المتفرقون وهو جمع شت. الإِعراب: جميعاً نصب على الحال وكذلك أشتاتاً وتحية منصوب لأنها مصدر سلموا لأن التحية بمعنى التسليم من عند الله صفة تحية. المعنى: لمّا تقدَّم ذكر الاستيذان عقَّبه سبحانه بذكر رفع الحرج عن المؤمنين في الانبساط بالأكل والشرب فقال { ليس على الأعمى حرج } الذي كفَّ بصره { ولا على الأعرج } الذي يعرج من رجليه أو أحداهما { حرج ولا على المريض } العليل { حرج } أي إثم واختلف في تأويله على وجوه: أحدها: أن المعنى ليس عليكم في مؤاكلتهم حرج لأنهم كانوا يتحرَّجون من ذلك ويقولون إن الأعمى لا يبصر فتأكل جيد الطعام دونه والأعرج لا يتمكن من الجلوس والمريض يضعف عن الأكل عن ابن عباس والفراء. وثانيها: أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا فكان أولئك يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وهم غيب فنفى الله سبحانه الحرج عن الزمنى في أكلهم من بيت أقاربهم أو من بيت من يدفع إليهم المفتاح إذا أخرج للغزو عن سعيد بن المسيب والزهري. وثالثها: أن المعنى ليس على الأَعمى والأعرج والمريض ضيق ولا إثم في ترك الجهاد والتخلف عنه ويكون قوله ولا على أنفسكم كلاماً مستأنفاً فأول الكلام في الجهاد وآخره في الأكل عن ابن زيد والحسن والجبائي. ورابعها: أن العمي والعرج والمرضى كانوا يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء لأن الناس كانوا يتقذرون منهم ويكرهون مؤاكلتهم وكان أهل المدينة لا يخالطهم في طعام أعمى ولا أعرج ولا مريض عن سعيد بن جبير والضحاك. وخامسها: أن الزمنى والمرضى رخصَّ الله سبحانه لهم في الأكل من بيوت من سمَّاهم في الآية وذلك أن قوماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا لم يكن عندهم ما يطعمونهم ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم وقراباتهم فكان أهل الزمانة يتحرجون من أن يطعموا ذلك الطعام لأنه يطعمهم غير مالكيه عن مجاهد. { ولا على أنفسكم } أي وليس عليكم حرج في أنفسكم { أن تأكلوا من بيوتكم } أي بيوت عيالكم وأزواجكم وبيت المرأَة كبيت الزوج. وقيل: معناه من بيوت أولادكم فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء لأن الأولاد كسبهم وأموالهم كأموالهم ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " أنت ومالك لأبيك " وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن أطيب ما يأكل المؤمن كسبه وإن ولده من كسبه "

السابقالتالي
2 3