الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } * { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ }

القراءة: قرأ يعقوب كبره بضم الكاف وهو قراءة أبي رجاء وحميد الأعرج وقراءة القراء كِبره بكسر الكاف وفي الشواذ قراءة عائشة وابن عباس وابن يعمر إذا تَلِقُونَهُ وقراءة ابن السميفع تُلقُونَه والقراءة المشهورة تَلَقَّونه. الحجة: من ضم كبره أراد عظمه ومن كسر أراد وزره وإثمه قال قيس بن الخطيم:
تَنــامُ عَنْ كُبْرِ شأْنِها فَإِذا   قامَتْ رُوَيْداً تَكادُ تَنْغَرِفُ
أي عن معظم شأنها وأما قوله تلقونه فمعناه تسرعون فيه وتخفون إليه. قال الراجز:
جاءَتْ بِهِ عَنْسٌ مِنَ الشَّامِ تَلِقْ   
أي تخف وأصله تَلقون فيه أو إليه فحذف حرف الجر فوصل الفعل إلى المفعول. وقيل: إن الولق الكذب فكان الكاذب يستمر في الكذب ويسرع فيه جاء في حديث علي ع كذبت وولقت وأما تُلْقُونَه فمعناه تلقونه بأفواهكم وأما تَلَقَّونه فهو من تلقيت الحديث من فلان أي أخذته منه وقبلته. النزول: " روى الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وغيرهما عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي وذلك بعدما أنزل الحجاب فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرغ من غزوه وقفل، وروي أنها كانت غزوة بني المصطلق من خزاعة. قالت: ودنونا من المدينة فقمت حين أذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدرتي فإذا عقد من جِزع ظَفار قد انقطع فرجعت فالتمست عِقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني فحملوا هودجي على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون إني فيه وكانت النساء إذ ذاك خفافاً لم يهبلهن اللحم ولم يغشهن اللحم في إنما يأكلن العُلقة من الطعام فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عِقدي وجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فسموت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ فبينا أنا جالسة إذ غلبتني عيناي فنمت. وكان صفوان بن المعطل السلمي قد عرَّس من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني فخمرت وجهي بجلبابي ووالله ما كلَّمني بكلمة حتى أناخ راحلته فركبتها فانطلق يقود الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في حرّ الظهيرة فهلك من هلك فيَّ. وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهراً والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يرثيني في وجعي غير أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين اشتكي إنما يدخل فيسلم ثم يقول: " كيف تيكم " فذلك يحزنني ولا أشعر بالسر حتى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المصانع وهو متبرزناً ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكُنُف وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا. وانطلقت أنا وأم مسطح وأمها بنت صخرة ابن عامر خالة أبي فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلاً قد شهد بدراً. فقالت: أي بنتاه ألم تسمعي ما قال قلت وماذا قال فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً إلى مرضي. فلما رجعت إلى بيتي دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " كيف تيكم " قلت تأذن لي أن آتي أبوي قالت وأنا أريد أن أتيقن الخبر من قبله فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجئت أبوي. وقلت لأمي: يا أمَّه ماذا يتحدث الناس؟ فقالت: أي بنية هوني عليك فوالله لقلَّ ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها قلت سبحان الله أو قد يحدث الناس بهذا؟ قالت: نعم فمكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع إلى اكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي. ودعا رسول الله أسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب ع حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي علم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الودّ فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيراً فأما علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلوات فقال لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثيرة وإن تسأل الجارية تصدّقك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: " يا بريرة هل رأيت شيئاً يريبك من عائشة " قالت بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها قالت وأنا والله أعلم إني بريئة ولما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولكنى كنت أرجو أن يرى رسول الله رؤيا يبرئني الله بها فأنزل الله تعالى على نبيّه وأخذه ما كان يأخذه من برحاء الوحي حتى أنه لينحدر عنه مثل الجمان من العرق في اليوم الثاني من ثقل القول الذي عليه فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك " فقالت لي أمي قومي إليه فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله فهو الذي أنزل براءتي فأنزل الله تعالى: { إن الذين جاؤوا بالإفك } "

السابقالتالي
2 3