الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

بسم الله الرحمن الرحيم القراءة: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وفرضناها بالتشديد والباقون بالتخفيف وقرأ ابن كثير غير ابن فليح رأفة بفتح الهمزة والباقون بسكون الهمزة وفي الشواذ قراءة عيسى الثقفي سورة بالنصب والزانية والزاني بالنصب وروي عن عمر بن عبد العزيز وعيسى الهمداني سورة أيضاً بالنصب. الحجة: قال أبو علي: التثقيل في فرضناها لكثرة ما فيها من الفرض والتخفيف يصلح للقليل والكثير ومن حجة التخفيف أن الذي فرض عليك القرآن لرادّك قال ولعل رأفة التي قرأها ابن كثير لغة وأما قراءة سورة بالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هذه سورة ولا يجوز أن يكون مبتدأ لأنها نكرة ولا يبتدء بالنكرة حتى توصف وإن جعلت أنزلناها وفرضناها لها بقي المبتدأ بلا خبر فإن جعلت تقديره يتلى عليكم سورة أنزلناها جاز ومن قرأ سورة بالنصب فعلى إضمار فعل يفسّره أنزلناها والتقدير أنزلنا سورة أنزلناها إلا أن هذا الفعل لا يظهر لأن التفسير يغني عنه ومثله قول الشاعر:
أَصْبَــــحْتُ لا أَحْمِـلُ السَّلاَحَ وَلا   أَمْــــلِكُ رَأسَ الْبَــــعِيرِ إنْ نَفَــــرَا
وَالــذِّئْبُ أَخْشـــاهُ إنْ مَــرَرْتُ بِـهِ   وَحْدِي وَأَخْشىَ الرِّياحَ وَالْمَطَرَا
أي وأخشى الذئب فلما أضمره فسَّره بقوله أخشاه ويجوز أن يكون الفعل الناصب لسورة من غير لفظ الفعل بعدها على معنى التخصيص أي اقرأوا سورة وتأملوا سورة أنزلناها كقوله سبحانهناقة الله وسقياها } [الشمس: 13] أي احفظوا ناقة الله وكذلك قوله الزانية والزاني انتصب بفعل مضمر أي اجلدوا { الزانية والزاني } فلما أضمر الفعل الناصب فسَّره بقوله { فاجلدوا كل واحد منهما } وجاز دخول الفاء في هذا الوجه لأنه موضع أمر ولا يجوز زيداً فضربته لأنه خبر وإنما جاز في الأمر لمضارعته الشرط ألا تراه دالاً على الشرط ولذلك انجزم في قولك زرني أكرمك لأن معناه فإنك إن تزرني أكرمك فلما آل معناه إلى الشرط جاز دخول الفاءَ في الفعل المفسّر للمضمر وتقول على هذا بزيد فامرو على عمرو فاغضب. اللغة: السورة مأخوذة من سور البناء وهو ارتفاعه. وقيل: هو ساق من أسواقه فعلى القول الأول يكون تسميتها بذلك لارتفاعها في النفوس وعلى القول الثاني يكون تسميتها بذلك لأنها قطعة من القرآن. وقيل: إن السورة المنَزْلة الشريفة والجلالة قال النابغة:
أَلَــمْ تَــرَ اللهَ أَعْطـــاكَ سُورَةً   تَــرى كُـلَّ مَلْكٍ دُونَها يَتَذَبْذَبُ
لإِنَّكَ شَمْسٌ وَالمْلُوُكَ كَواكِبٌ   إذا طَلَـعَتْ لَمْ يَبْدُ مِنْهُنَّ كَوْكَبُ
وقيل: أصله الهمز. وقيل: اشتقاقها من أسأرت إذا أبقيت في الإناء بقية ومنه الحديث: " إذا شربتم فأسأروا " إلا أنه أجمع على تخفيفها كما أجمع على تخفيف برية وروية وأصلها من برا الله الخلق وروأت في الأمر وأصل الفرض من فرض القوس وهو الحزُّ الذي فيه الوتر ثم اتَّسع فيه فجعل في موضع الإيجاب وفصّل بين الفرض والواجب فإن الفرض واجب بجعل جاعل لأنه فرضه على صاحبه كما أنه أوجبه عليه والواجب قد يكون واجباً من غير جعل جاعل، كوجوب شكر المنعم فجرى دلالة الفعل على الفاعل في إنه يدل من غير جعل جاعل والزنا هو وطء المرأة في الفرج من غير عقد شرعي ولا شبهة عقد مع العلم بذلك أو غلبة الظن وليس كل وطء حرام زنا لأن الوطء في الحيض والنفاس حرام ولا يكون زنا والجلد ضرب الجلد يقال جلده كما يقال ظهره ورأسه وفأده وهذا قياس والرأفة التحنن والتعطف وفيه ثلاث لغات سكون الهمزة وفتحها ومدها.

السابقالتالي
2 3