الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } * { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } * { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } * { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } * { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } * { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ }

القراءة: قرأ نافع تُهجرون بضم التاء وكسر الجيم والباقون تَهجُرون بفتح التاء وضم الجيم وفي الشواذ قراءة ابن مسعود وابن عباس وعكرمة سَمراً تهجرون وقراءة ابن محيصن سُمَّراً يحيى ولو أتبع بضم الواو. الحجة: قال أبو علي: من قال تهجرون فالمعنى أنكم كنتم تهجرون آياتي وما يتلى عليكم من كتابي فلا تنقادون له وتكذبون به وتهجرون تأتون بالهجر والهذيان وما لا خير فيه من الكلام. وقال ابن جني: قوله تهجرون معناه تكثرون من الهجر أو هجر النبي صلى الله عليه وسلم أو كتابه أو تكثرون من الإهجار وهو الإفحاش في القول لأن فعَّل للتكثير والسُمَّر جمع سامر والسامر القوم يسمرون أي يتحدثون ليلاً قال ذو الرمة:
وَكَمْ عَرَّسَتْ بَعْدَ السُّرى مِنْ مُعَرَّسِ   بِــهِ مِنْ عَزيـفِ الْجِنِّ أصْواتُ سامِرِ
قال قطرب السامر قد يكون واحداً أو جماعة. وقيل: أنه أخذ من السمرة وهي اللون الذي بين السواد والبياض فقيل لحديث الليل السمر لأنهم كانوا يقعدون في ظل القمر يتحدثون. وقيل: إن السمر ظل القمر. اللغة: الوسع الحال التي يتسع بها السبيل إلى الفعل والوسع دون الطاقة والتكليف تحميل ما فيه المشقة بالأمر والنهي والإعلام مأخوذ من الكلفة في الفعل والله سبحانه يكلّف عباده تعريضاً إياهم للنفع الذي لا يحسن الابتداء بمثله وهو الثواب وأصل الغمرة الستر والتغطية يقال غمرت الشيء إذا سترته وغمرات الموت شدائده وكل شدة غمرة قال:
الغمرات ثم ينجلينا   ثم يذهبن فلا يجينا
والجؤار الاستغاثة ورفع الصوت بها والنكوص رجوع القهقرى وهو المشي على الأعقاب إلى خلف وهو أقبح مشية مثل بها أقبح حال وهي الإعراض عن الداعي إلى الحق. الإعراب: وسعها مفعول ثان لنكلف " بالحق " إن جعلت الحق مصدراً فالباء مزيدة والتقدير ينطق الحق وإن جعلته صفة محذوفاً فالتقدير ينطق بالحكم الحق ومفعول ينطق محذوف، هم لها عاملون جملة في موضع رفع لأنها صفة لأعمال مستكبرين منصوب على الحال من قوله تنكصون وذو الحال وتنكصون خبر كان وسامراً اسم للجمع منصوب لأنه حال. المعنى: ثم بيَّن سبحانه أنه لا يكلف أحداً إلا دون الطاقة بعد أن أخبر عن حال الكافرين والمؤمنين فقال { ولا نكلف نفساً } أي نكلفها أمراً ولا نأمرها { إلا وسعها } أي دون طاقتها { ولدينا كتاب ينطق بالحق } معناه وعند ملائكتنا المقربين كتاب ينطق بالحق أي يشهد لكم وعليكم بالحق كتبته الملائكة بأمرنا يريد صحائف الأعمال { وهم لا يظلمون } أي يوفون جزاء أعمالهم فلا ينقص من ثوابهم ولا يزاد في عقابهم ولا يؤاخذون بذنب غيرهم. { بل قلوبهم في غمرة من هذا } بل ردّ لما سبق وابتداء الكلام والمعنى إن قلوب الكفار في غفلة شديدة من هذا الكتاب المشتمل على الوعد والوعيد وهو القرآن.

السابقالتالي
2 3