الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ }

النزول: روي عن ابن عباس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا سورة والنجم وبلغ إلى قولهأفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } [النجم: 19] ألقى الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى فسرَّ بذلك المشركون فلما انتهى إلى السجدة سجد المسلمون وسجد أيضاً المشركون لما سمعوا من ذكر آلهتهم بما أعجبهم فهذا الخبر إن صحَّ محمول على أنه كان يتلو القرآن فلما بلغ إلى هذا الموضع وذكر أسماء آلهتهم وقد علموا من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يعيبها قال بعض الحاضرين من الكافرين تلك الغرانيق العلى وألقى ذلك في تلاوته توهم أن ذلك من القرآن فأضافه الله سبحانه إلى الشيطان لأنه إنما حصل بإغوائه ووسوسته وهذا أورده المرتضى قدس الله روحه في كتاب التنزيه وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية وهو وجه حسن في تأويله. المعنى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } من هنا مزيدة والتقدير ما أرسلنا قبلك رسولاً ولا نبياً وإنما ذكر اللفظين لاختلاف فائدتهما فالرسول الذي أرسله الله تعالى ولا يحمل عند الإطلاق على غير رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي الذي له الرفعة والدرجة العظيمة بالإرسال. وقيل: إن بينهما فرقاً فالرسول الذي تنزل عليه الملائكة بالوحي والنبي الذي يوحي إليه في منامه فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً. وقيل: بل الرسول هو المبعوث إلى أمة والنبي هو الذي لا يبعث إلى أمة عن قطرب. وقيل: إن الرسول هو المبتدئ بوضع الشرائع والأحكام والنبي الذي يحفظ شريعة غيره عن الجاحظ، والقول هو الأول لأن الله سبحانه خاطب نبينا صلى الله عليه وسلم مرة بالنبي ومرة بالرسل فقال يا أيها الرسول ويا أيها النبي فالرسول والنبي واحد لأن الرسول يعمُّ الملائكة والبشر والنبي يختص البشر فجمع بينهما هنا وفي قوله وكان رسولاً نبياً { إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته }. قال المرتضى: لا يخلو التمني في الآية من أن يكون معناه التلاوة كما قال حسان بن ثابت:
تَمَنَّى كِتابَ اللهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ   وَآخِرَهُ لاقَى حِمامَ المَقادِرِ
أو يكون تمني القلب فإن كان المراد التلاوة فالمعنى إن من أرسل قبلك من الرسل كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه حرَّفوا عليه وزادوا فيما يقوله ونقصوا كما فعلت اليهود وأضاف ذلك إلى الشيطان لأنه يقع بغروره { فينسخ الله ما يلقي الشيطان } أي يزيله ويدحضه بظهور حججه وخرج هذا على وجه التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم لما كذب المشركون عليه وأضافوا إلى تلاوته من مدح آلهتهم ما لم يكن فيها وإن كان المراد تمني القلب فالوجه أن الرسول متى تمنى بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور وسوس إليه الشيطان بالباطل يدعوه إليه وينسخ الله ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان وترك استماع غروره.

السابقالتالي
2 3