الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } * { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } * { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ }

القراءة: قرأ أهل المدينة فتخطفه بفتح الخاء مشدداً والباقون فتخطفه بسكون الخاء والتخفيف وقرأ منسكاً أهل الكوفة غير عاصم والباقون منسكاً بالفتح وفي الشواذ قراءة الحسن وابن أبي إسحاق والمقيمي الصلاة بالنصب. الحجة: تَخَطَّف تَتَخَطَّف فحذف تاء التفعل وهما في كلا القراءتين حكاية حال تكون والمعنى في ذلك أنه في مقابلة قولهفقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها } [البقرة: 256] فالمشرك بعكس هذا الوصف فلم يستمسك لكفره بما في أمان من الخرور ونجاة من الهوى واختطاف الطير فصار كمن خرَّ من السماء فهوت به الريح فلم يكن له معتصم والأصل في المنسك الفتح لأنه لا يخلو من أن يكون مصدراً أو مكاناً وكلاهما مفتوح العين من باب يفعل إلا أنه قد جاء اسم المكان منه في كلمات على المفعل نحو المطلع والمسجد شاذاً عن القياس ومن قرأ والمقيمي الصلاة فإنه حذف النون تخفيفاً لا لتعاقبها الإضافة وشبَّه ذلك بالذين واللذان في قول الشاعر:
وَإنَّ الَّذِي حانَتْ بِفَلْجٍ دِماءُهُمْ   هُـمُ الْقَوْمُ كُلُّ الْقَوْمِ يا أُمَّ خالِدِ
وقول الأخطل:
أَبَنــي كُلَيْــبٍ إنَّ عَمَّـيَّ اللَّذا   قَتَلا المُلُوكَ وَفَكَّكَا الأغْلاَلا
ونحوه بيت الكتاب:
وَالْحَافِظُو عَوْرَةَ الْعَشِيرَةِ لا   يَأْتِيهِــمُ مِــــنْ وَرائِهِم وَكْفُ
وقال آخر:
قَتَــلْنا ناجِيـــاً بِقَتِيــلِ عمرو   وَخَيْرُ الطَّالِبي التَّرَةَ الْغَشُومُ
اللغة: الخطف والإخطاف الاستلاب والسحيق البعيد والسحوق النخلة الطويلة والشعائر علامات مناسك الحج التي تشعر بما جعلت له وأشعرت البدن أعلمتها بما يشعر أنها هدي والمنسك موضع العبادة والنسك العبادة يقال نسك ينسك وينسك أي تعبد. وقيل: هو عبادة الذبح والنسيكة الذبيحة يقال نسكت الشاة ذبحتها والإخبات الخضوع والطمأنينة وأصله من الخبت وهو المكان المطمئن. وقيل: المنخفض. المعنى: قال سبحانه { حنفاء لله } أي مستقيمي الطريقة على أمر الله مائلين عن سائر الأديان وهي نصب على الحال { غير مشركين به } أي حجاجاً مخلصين وهم مسلمون موحدون لا يشركون في تلبية الحج به أحداً ثم ضرب سبحانه مثلاً لمن أشرك فقال { ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء } أي سقط من السماء { فتخطفه الطير } أي تأخذه بسرعة قال أبن عباس يريد تخطف لحمه { أو تهوي به الريح } أي تسقطه { في مكان سحيق } أي بعيد مفرط في البعد. قال الزجاج: أعلم الله سبحانه أن بعد من أشرك به من الحق كبعد من خرّ من السماء فذهب به الطير أو هوت به الريح في مكان بعيد وقال غيره شبّه حال المشرك بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة فهو هالك لا محالة. { ذلك } أي الأمر ذلك الذي ذكرنا { ومن يعظم شعائر الله } أي معالم دين الله والأعلام التي نصبها لطاعته ثم اختلف في ذلك فقيل هي مناسك الحج كلها عن ابن زيد.

السابقالتالي
2