الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } * { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }

بسم الله الرحمن الرحيم القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم سَكرى وما هم بسَكرى والباقون سكارى في الموضعين وفي الشواذ قراءة الأعرج والحسن بخلاف سُكرى بضم السين وقرأ أبو جعفر وربأت بالهمزة ههنا وفي حم والباقون وربت. الحجة: قالوا رجل سكران وامرأة سكرى والجمع سُكارى وسكارى بضم السين وفتحها إلا أن القراءة بالضم وأما سَكرى في الجمع فهو مثل صرعى وجرحى وذلك لأن السكر كأنه علة لحقت عقولهم كما أن الصرع والجرح علة لحقت أجسامهم وفعلى مختص في الجمع بالمبتلين كالمرضى والسقمى والهلكى وأما سُكرى بالضم فيجوز أن يكون اسماً مفرداً على فعلى بمعنى الجمع وأما قوله { ربت } فهو من ربا يربو إذا زاد وأما الهمز فمن ربأت القوم إذا أشرفت عليهم عالياً لتحفظهم وهذا كأنه ذهب إلى علو الأرض لما فيها من إفراط الربو فإذا وصف علوها دلَّ على أن الزيادة شاعت فيها. اللغة: الزلزلة والزلزال شدة الحركة على الحال الهائلة. وقيل: إن أصله زل فضوعف للمبالغة وأثبته البصريون قالوا إن زل ثلاثي وزلزل رباعي وإن اتفق بعض الحروف في الكلمتين لأنه لا يمتنع مثل هذا ألا ترى أنهم يقولون دمث ودمثر وسبط وسبطر وليس أحدهما مأخوذاً من الآخر وإن كان معناهما واحداً لأن الزاي ليست من حروف الزيادة والزلزال بالفتح الاسم قال الشاعر:
يَعْرِفُ الْجاهِلُ الْمُضَلَّلُ أنَّ الدَّ   هْرَ فِيـــهِ النَّكْــراءُ وَالـزَّلْزالُ
والذهول الذهاب عن الشيء دهشاً وحيرة يقال ذهب عنه يذهلَ ذهُولاً وذَهْلاً بمعنى والذهل السلو قال:
صَحا قَلْبُهُ يا عِزَّ أوْ كادَ يَذْهَلُ   
والحمل بفتح الحاء ما كان في بطن أو على رأس شجرة والحمل بكسر الحاء ما كان على ظهر أو على رأس والمريد المتجرد للفساد. وقيل: إن أصله الملاسة فكأنه متملس من الخير ومنه صخرة مرداء أي ملساء ومنه الأمرد والممرد من البناء المتطاول المتجاوز والمضغة مقدار ما يمضغ من اللحم والهمود الدروس والدثور قال الأعشى:
قالَتْ قُتَيْلَةُ ما لِجِسْمِكَ شاحِباً   وَأرى ثِيابَـــكَ بالِيـــاتٍ هُمَّدا
والبهيج الحسن الصورة. الإعراب: العامل في يوم ترونها قوله { تذهل } أي تذهل كل مرضعة في هذا اليوم عما أرضعته ويجوز أن يكون ما مصدرية فيكون التقدير تذهل كل مرضعة في هذا اليوم عن إرضاعها ولدها ومفعول أرضعت محذوف على الوجهين ومرضعة جار على الفعل يقال امرأة مرضع أي ذات إرضاع أرضعت ولدها أو أرضعته غيرها ومرضعة ترضع قال امرؤ القيس:
وَمِثْلِكِ حُبْلى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِع   فَألْهَيْتُــها عَنْ ذِي تَمـــائِم مُحْوِلِ
وسكارى نصب على الحال وإن جعلت ترى بمعنى الظن فهو المفعول الثاني له كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله الهاء في عليه يعود إلى الشيطان والهاء في أنه يحتمل وجهين أن يكون ضمير الأمر والشأن وأن يكون عائداً إلى الشيطان وإنما فتحت أن في قوله { فأنه يضله } على أحد وجهين أن يكون عطفاً على الأولى للتأكيد والمعنى كتب عليه أنه من تولاه يضله وتأويله كتب على الشيطان إضلال متوليه وهدايتهم إلى عذاب السعير وهذا قول الزجاج وفيه نظر لأن الأصل في التوكيد أن لا يدخل حرف العطف بين المؤكد والمؤكد فالقول الصحيح فيه أن يكون على معنى فالشأن أنه يضله فيكون مبنياً على مبتدأ مضمر ونقر مرفوع بالعطف على خلقناكم أو للاستئناف ويكون خبر مبتدأ محذوف أي ونحن نقر.

السابقالتالي
2 3 4