الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } * { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } * { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }

القراءة: قرأ روح وزيد عن يعقوب خاسر الدنيا والآخرة بالجر وهو قراءة مجاهد وحميد بن قيس والباقون خسر بغير ألف والآخرة بالنصب، وقرأ أهل البصرة وابن عامر وورش ثم ليقطع بكسر اللام والباقون بسكونها وكذلك ثم ليقضوا وزاد ابن عامر وليوفوا وليطوّفوا بالكسر فيهما أيضاً وقرأ أبو بكر وليوفوا بتشديد الفاء والأعشى عنه بكسر اللام أيضاً والباقون وليوفوا ساكنة الواو خفيفة الفاء. الحجة: من قرأ خسر الدنيا والآخرة فإن هذه الجملة تكون بدلاً من قوله { انقلب على وجهه } فكأنه قال وإن أصابته فتنة خسر الدنيا والآخرة ومثله قول الشاعر:
إنْ يَجْبُنُوا أوْ يَغْدِرُوا   أوْ يَبْخَلُوا لا يَحْفِلُوا
يَغْــدُوا عَلَيْـــكَ مُرْجَّلِي   ـــنَ كَأنَّهُــمْ لَمْ يَفْعَلُوا
فقوله { يغدوا عليك } بدل من لا يحفلوا ومن قرأ خاسر الدنيا والآخرة فإنه منصوب على الحال وأما قوله { ثم ليقطع } فإن أصل هذه اللام الكسر فإذا دخلها الواو والفاء أو ثم فمن أسكنها مع الفاء والواو فإن الفاء والواو يصيران كشيء واحد في نفس الكلمة لأن كل واحد منهما لا ينفرد بنفسه فصار بمنزلة كتف وفخذ فأما ثم فهو منفصل عن الكلمة وليست كالواو والفاء فمن أسكن اللام معها شبَّه الميم في ثم بالفاء والواو وجعله كقولهم أراك مُنْتَفْخاً كقول العجاج:
أراكَ مُنْتَصبْاً وَما تَكَرْدَسا   
ومثل ذلك قولهم وَهْيَ فَهْيَ. اللغة: الحرف والطرف والجانب نظائر والاطمئنان التمكن والفتنة ههنا المحنة والانقلاب الرجوع والعشير الصاحب المعاشر أي المخالط والنصرة المعونة. وقيل: إن النصرة ههنا الرزق تقول العرب من ينصرني نصره الله أي من أعطاني أعطاه الله قال الفقعسي:
وَإنَّــك لا تُعْطِــي امْـرءاً فَـوْقَ حَظِّهِ   وَلا تَمْلِكُ الشِّقَ الَّذِي الْغَيْثُ ناصِرُهُ
أي معطيه وجائده ويقال نصر الله أرض فلان أي جاد عليها بالمطر والسبب كل ما يتوصل به إلى الشيء ومنه قيل للحبل سبب وللطريق سبب وللباب سبب. الإعراب: { يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه }. قال الزجاج: اختلف الناس في تفسير هذه اللام فقال البصريون والكوفيون معنى هذه اللام التأخير والتقدير يدعو من لضرّه أقرب من نفعه ولم يشرحوه. قال: وشرحه أن اللام لليمين والتوكيد فحقها أن تكون في أول الكلام فقدمت لنجعل في حقها وإن كان أصلها أن يكون في آخره كما أن لام أن حقها أن تكون في الابتداء فلما لم يجز أن تلى إن جعلت في الخبر مثل قولك إن زيداً لقائم فهذا قول وقالوا أيضاً أن يدعو معه هاء مضمرة وإن ذلك في موضع رفع ويدعو في موضع الحال المعنى ذلك هو الضلال البعيد يدعوه أي في حال دعائه إياه ويكون لمن ضره أقرب مستأنفاً مرفوعاً بالابتداء وخبره لبئس المولى ولبئس العشير.

السابقالتالي
2 3 4