الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } * { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } * { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } * { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } * { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }

القراءة: قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وحِرْم بكسر الحاء بغير ألف والباقون وحرام وهو قراءة الصادق ع وفي الشواذ قراءة الحسن وابن أبي إسحاق أمة واحدة بالرفع، وقرأ ابن عباس وقتادة وحَرِم وفي رواية أخرى عن ابن عباس وحَرَم وهي قراءة عكرمة وأبي العالية. الحجة: قال أبو علي: حِرْم وحرام لغتان وكذلك حل وحلال وكل واحد من حرم وحرام إن شئت رفعته بالابتداء لاختصاصه بما جاء بعده من الكلام وخبره محذوف وتقديره وحرام على قرية أهلكناها بأنهم لا يرجعون مقضي أو ثابت أو محكوم عليه وإن شئت جعلته خبر مبتدأ محذوف وجعلت لا زائدة والمعنى حرام على قرية أهلكناها رجوعهم كما قال فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون وإن شئت جعلته خبر مبتدأ وأضمرت مبتدأ كما ذكرت ويكون المعنى حرام على قرية أهلكناها بالاستئصال رجوعهم لأنهم لا يرجعون وتكون لا غير زائدة والمعنى حرام عليهم أنهم ممنوعون من ذلك. وقال الزجاج: تقديره وحرام على قرية أهلكناها أن يتقبل منهم عمل لأنهم لا يرجعون أي لا يتوبون أبداً كما قال سبحانهختم الله على قلوبهم } [البقرة: 7] الآية فعلى هذا يكون حرام خبر مبتدأ محذوف وهو قوله أن يتقبل منهم عمل وأنهم لا يرجعون في موضع نصب لأنه مفعول له فأما من قرأ حرِم على قرية فإنه من حرم فهو حرم أي قمر ماله قال زهير:
وَإِن أَتـاهُ خَلِيـــلٌ يَـوْمَ مَسْغَبَةٍ   يَقُولُ لا غائِبٌ مالِي وَلا حَرِمٌ
وأما حَرَم فمعناه ظاهر ومن قرأ أمة بالرفع جعله بدلاً من أمتكم ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر وأمة منصوبة على الحال والعامل فيها معنى الإشارة وذو الحال الأمة الأولى وفي الحقيقة الحال الأولى قوله { واحدة } التي هي صفة الأمة كقوله تعالىقرآناً عربياً } [يوسف: 2] والتقدير { إن هذه أمتكم أمة واحدة } أي مجتمعة غير متفرقة. المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدّم بقصة عيسى ع فقال { والتي أحصنت فرجها } يعني مريم ابنة عمران أي واذكر مريم التي حفظت فرجها وحصنته وعفت وامتنعت من الفساد { فنفخنا فيها من روحنا } أي أجرينا فيها روح المسيح كما يجري الهواء بالنفخ فأضاف الروح إلى نفسه على وجه الملك تشريفاً له في الاختصاص بالذكر وقيل إن معناه أمرنا جبرائيل فنفخ في جيب درعها فخلقنا المسيح في رحمها { وجعلناها وابنها آية للعالمين } إنما قال آية ولم يقل آيتين لأنه في موضع دلالة فلا يحتاج إلى تثنية والآية فيهما أنها جاءت به من غير فحل فتكلم في المهد بما يوجب براءة ساحتها من العيب. { إن هذه أمتكم أمة واحدة } أي هذا دينكم دين واحد عن ابن عباس ومجاهد والحسن وأصل الأمة الجماعة التي على مقصد واحد فجعلت الشريعة أمة واحدة لاجتماعهم بها على مقصد واحد.

السابقالتالي
2