الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } * { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } * { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ }

القراءة: قرأ أبو جعفر وابن عامر وحفص عن عاصم وروح وزيد عن يعقوب لتحصنكم بالتاء، وقرأ أبو بكر عن عاصم ورويس عن يعقوب لنحصنكم بالنون والباقون ليحصنكم بالياء. الحجة: من قرأ بالياء فيجوز أن يكون الفاعل اسم الله لتقدم قوله علمناه ويجوز أن يكون اللباس لأن اللبوس بمعنى اللباس ويجوز أن يكون داود ومن قرأ بالتاء حمله على المعنى لأنه الدرع مؤنث ومن قرأ بالنون فلتقدم قوله علمناه. اللغة: النفش بفتح الفاء وسكونها أن تنتشر الإِبل والغنم بالليل فترعى بلا راع وابل نفاش، واللبوس اسم للسلاح كله عند العرب درعاً أو جوشناً أو سيفاً أو رمحَاً قال الهذلي يصف رمحاً:
وَمَعِــي لَبُـوسٌ لِلْبَـئِيسِ كَأَنَّهُ   رَوْقٌ بِجَبْهَةِ ذِي نِعاجٍ مُجْفِلِ
وقيل هو كل ما يلبس من ثياب ودرع. وقيل: هو الدرع وأصل اللباس من الاختلاط ومنه سميت المرأة لباساً وسمي الليل لباساً لأنه يباشر الناس بظلمته والإِحصان الإِحراز وأصله من المنع. الإِعراب: ونوحاً معطوف على قوله ولوطاً وقوله { إذ نفشت } ظرف لقوله { يحكمان } وقوله { وكنا لحكمهم شاهدين } يجوز أن يكون في موضع الجر بالعطف على يحكمان أي وقت حكمهما في الحرث وكوننا شاهدين له ويجوز أن يكون في موضع النصب على الحال وكلا منصوب لأنه مفعول أول لآتينا وحكماً مفعول ثان له يسبّحن في موضع نصب على الحال من الجبال والطير عطف على الجبال ويجوز أن يكون مفعولاً معه وتقديره ويسبحن مع الطير فيكون الواو بمعنى مع. المعنى: ثم عطف سبحانه قصة نوح وداود على قصة إبراهيم ع ولوط فقال { ونوحاً إذ نادى } أي دعا ربه فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً وقال: إني مغلوب فانتصر وغير ذلك { من قبل } أي من قبل إبراهيم ولوط { فاستجبنا له } أي أجبناه إلى ما التمسه { فنجيناه وأهله من الكرب العظيم } أي من الغم الذي يصل حرّه إلى القلب وهو ما كان يلقاه من الأذى طول تلك المدة وتحمل الاستخفاف من السقاط من أعظم الكرب. { ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا } أي منعناه منهم بالنصرة حتى لم يصلوا إليه بسوء. وقيل: معناه نصرناه على القوم ومِنْ بمعنى عَلى عن أبي عبيدة { إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين } صغارهم وكبارهم وذكورهم وإناثهم. { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم } أي وآتينا داود وسليمان حكماً وعلماً إذ يحكمان. وقيل: تقديره واذكر داود وسليمان حين يحكمان في الحرث في الوقت الذي نفشت فيه غنم القوم أي تفرَّقت ليلاً { وكنا لحكمهم شاهدين } أي بحكمهم عالمين لم يغب عنا منه شيء وإنما جمع في موضع التثنية لإضافة الحكم إلى الحاكم وإلى المحكوم لهم.

السابقالتالي
2 3