الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } * { قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } * { قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } * { قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } * { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } * { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }

القراءة: قرأ الكسائي جِذاذاً بكسر الجيم والباقون بضمها وفي الشواذ قراءة ابن عباس وأبي السماك بفتح الجيم. الحجة: قال أبو حاتم: فيه لغات جُذاذاً وجِذَاذاً وأجودها الضم كالحطام والرفات من جذذت الشيء إذا قطعته قال النابغة:
تَجِذُّ السَّلُوقِيَّ المُضاعَفَ نَسْجُهُ   وَيْوقِدْنَ بِالصُّفاحِ نارَ الْحُباحِبِ
وقال جرير:
بَنُـو الْمُهَلَّـبِ جَــذَّ اللهُ دابِـرَهُمْ   أمْسَوْا رِماداً فَلا أصْلٌ وَلا طَرَفُ
المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدّم من قصة موسى وهارون بقصة إبراهيم ع فقال { ولقد آتينا } أي أعطينا { إبراهيم رشده } يعني الحجج التي توصله إلى الرشد من معرفة الله وتوحيده. وقيل: معناه هداه أي هديناه صغيراً عن قتادة ومجاهد. وقيل: هو النبوة { من قبل } أي من قبل موسى. وقيل: من قبل محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. وقيل: من قبل بلوغه { وكنّا به عالمين } أنه أهل لإِيتاء الرشد وصالح للنبوة. { إذ قال لأبيه وقومه } حين رآهم يعبدون الأصنام { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون } والعامل في إذ قوله { آتينا } أي آتينا رشده في ذلك الوقت والتمثال اسم للشيء المصنوع مشبهاً بخلق من خلق الله وأصله من مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به واسم ذلك الممثل تمثال وجمعه تماثيل. وقيل: إنهم جعلوها أمثلة لعلمائهم الذين انقرضوا. وقيل: إنهم جعلوها أمثلة للأجسام العلوية والمعنى ما هذه الصور التي أنتم مقيمون على عبادتها. وروى العياشي بإسناده عن الأصبغ بن نباته أن علياً ع مرَّ بقوم يلعبون الشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون لقد عصيتم الله ورسوله. { قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين } فاقتدينا بهم اعترفوا بالتقليد إذ لم يجدوا حجة لعبادتهم إياها سوى اتباع الآباء { قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين } أي في ذهاب عن الحق ظاهر ذمَّهم على تقليد الآباء ونسبهم في ذلك إلى الضلال. { قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين } معناه أجادٌّ أنت فيما تقول محقّ عند نفسك أم لاعب مازح وإنما قالوا ذلك لاستبعادهم إنكار عبادة الأصنام عليهم إذ ألفَوا ذلك واعتادوه { قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهُنَّ } أي بل إلهكم إله السماوات والأرض الذي خلقهنّ وابتدأهنَّ فدلَّ على الله سبحانه بصنعه { وأنا على ذلكم من الشاهدين } ومعنى الشهادة تحقيق الأخبار والشاهد الدال على الشيء عن مشاهدة فإبراهيم ع شاهد بالحق لأنه دالٌّ عليه بما يرجع إلى ثقة المشاهدة. ثم أقسم إبراهيم ع فقال { وتالله لأكيدن أصنامكم } أي لأدبرن في بابهم تدبراً خفياً يسؤكم ذلك. وقيل: إنما قال ذلك في سرِّ من قومه ولم يسمع ذلك إلا رجل منهم فأفشاه عن قتادة ومجاهد { بعد أن تولّوا مدبرين } أي بعد أن تنطلقوا ذاهبين قالوا كان لهم في كل سنة مجمع وعيد إذا رجعوا منه دخلوا على الأصنام وسجدوا لها فقالوا لإِبراهيم ع ألا تخرج معناه فخرج فلما كان ببعض الطريق قال أشتكي رجلي وانصرف.

السابقالتالي
2