الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } * { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } * { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ }

القراءة: قرأ ابن عامر ولا تسمع بضم التاء الصم بالنصب والباقون ولا يسمع بفتح الياء الصم بالرفع. الحجة: الوجه في قراءة ابن عامر أنه وجَّه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه قال ولا تسمع أنت يا محمد الصم كما قال:وما أنت بمسمع من في القبور } [فاطر: 22] لأن الله تعالى لما خاطبهم فلم يلتفتوا إلى ما دعاهم إليه صاروا بمنزلة الميت الذي لا يسمع ولا يعقل ووجه قراءة الباقين أنه جعل الفعل لهم ويقوّيه قوله { إذا ما ينذرون }. اللغة: الكلاءة الحفظ قال ابن هرمة:
إنَّ سُلَيْمــى وَاللهِ يَكْلَــــؤُهـــا   ضَنَّتْ بِشَيْءِ ما كَانَ يَرْزَؤُها
والفرق بين السخرية والهزء أن في السخرية معنى طلب الذلة لأن التسخير التذليل فأما الهزء فيقتضي طلب صغر القدر بما يظهر في القول. الإِعراب: أم لهم آلهة أم هذه هي المنقطعة وتقديره بل لهم آلهة ولا يستطيعون جملة مستأنفة لأنها لا تستقيم أن تكون صفة لآلهة ولا حالاً عنها لأن الله وصفها بقوله { تمنعهم من دوننا } على زعمهم ولا يستطيعون ضدُّ هذه الصفة. المعنى: لمّا تقدَّم ذكر استهزاء الكفار بالنبي والمؤمنين سلَّى الله سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم عند ذلك بقوله { ولقد استهزئ برسل من قبلك } كما استهزأ هؤلاء { فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون } أي حلَّ بهم وبال استهزائهم وسخريتهم وقوله { منهم } يعني من الرسل { قل } يا محمد لهؤلاء الكفار { من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن } أي يحفظكم من بأس الرحمن وعذابه. وقيل: من عوارض الآفات وهو استفهام معناه النفي تقديره لا حافظ لكم من الرحمن. { بل هم عن ذكر ربهم معرضون } أي بل هم عن كتاب ربهم معرضون لا يؤمنون به ولا يتفكرون فيه. وقيل: معناه أنهم لا يلتفتون إلى شيء من المواعظ والحجج ثم قال على وجه التوبيخ لهم والتقريع { أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا } تقديره أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم من عذابنا وعقوباتنا وتمَّ الكلام. ثم وصف آلهتهم بالضعف فقال { لا يستطيعون نصر أنفسهم } فكيف ينصروهم. وقيل: معناه أن الكفار لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا يقدرون على دفع ما ينزل بهم عن نفوسهم { ولا هم منها يصحبون } أي ولا الكفار يجارون من عذابنا عن ابن عباس. قال ابن قتيبة: أي لا يجيرهم منا أحد لأن المجير صاحب الجار يقول العرب صحبك الله أي حفظك الله وأجارك. وقيل: يصحبون أي ينصرون ويحفظون عن مجاهد. وقيل: لا يصحبون من الله بخير عن قتادة. { بل متعنا هؤلاء وآبائهم } في الدنيا بنعمها فلم نعاجلهم بالعقوبة { حتى طال عليهم العمر } أي طالت أعمارهم فغرَّهم طول العمر وأسباب الدنيا حتى أتوا ما أتوا { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } أي ألم ير هؤلاء الكفار أن الأرض تأتيها أمرنا فننقصها بتخريبها وبموت أهلها.

السابقالتالي
2