الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } * { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } * { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ } * { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } * { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } * { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } * { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } * { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي }

القراءة: قرأ حمزة لا تخف جزماً والباقون لا تخاف وقرأ أهل الكوفة غير عاصم قد أنجيتكم وواعدتكم ورزقتكم وقرأ الباقون قد أنجيناكم وواعدناكم ورزقناكم بالنون وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو ويعقوب وسهل ووعدناكم بغير الألف والباقون بالألف وقرأ الكسائي فيحل بضم الحاء من يحلل بضم اللام والباقون بالكسر في الموضعين. الحجة: قال أبو علي: من رفع قوله لا تخاف فإنه حال من الفاعل في أضرب أي غير خائف ولا خاش ويجوز أن يقطعه من الأول أي أنت لا تخاف ومن قرأ لا تخف جعله جواب الشرط أي أن تضرب لا تخف دركاً ممن خلقك ولا تخش غرقاً بين يديك فأما من قال لا تخف دركاً ثم لا تخشى فيجوز أن يعطيه من الأول أي أن تضرب لا تخف وأنت لا تخشى ولا يحمله على قول الشاعر:
كَأنْ لَمْ ترى قَبْلي أسِيراً يَمانيّا   
ولا على نحو:
إذَا الْعَجُوزُ غَضِبَتْ فَطلّقِ   وَلا تَــرَضّيهــا وَلاَ تملَّقِ
لأن ذلك إنما يجيء في ضرورة الشعر كما أن قوله:
ألَمْ يَأتِيكَ والأنبَاءُ تَنْمي   بِما لاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيادِ
كذلك ولكنك تقدر أنك حذفت الألف المنقلبة عن اللام ثم أشبعت الفتحة لأنها في فاصلة فأثبت الألف الناشئة عن إشباع الفتحة ومثل هذا مما ثبت في الفاصلة قولهفأضلونا السبيلا } [الأحزاب: 67] وقد جاء إشباع هذه الفتحة في كلامهم قال:
وَأنْتَ عَنِ الْغَوائِلِ حِينَ تُرْمَى   وَمِنْ ذَمّ الرِّجـــالِ بِمُنْتَـــزاحِ
أي بمنتزح وحجة من قرأ وعدناكم أن ذلك يكون من الله سبحانه. قال أبو الحسن: زعموا أن واعدناكم لغة في وعدناكم فإذا كان كذلك فاللفظ لا يدل على أن الفعل من اثنين فيكون القراءة بوعد أحسن لأن واعد بمعنى وعد ويعلم من وعد أنه فعل واحد لا محالة وليس واعد كذلك فالأخذ بالأبين أولى ومن قرأ أنجيناكم وواعدناكم فحجته قوله { ونزلنا عليكم المن والسلوى } وحجة من قرأ يحل بكسر الحاء أنه روي في زمزم إنه لِشارب حل أي مباح له غير محظور عليه ولا ممنوع عنه فالحل والحلال في المعنى مثل المباح فهو خلاف الحظر والحجر والحرام والحرم فهذه الألفاظ معناها المنع والمباح من قولهم باح بالسر والأمر يبوح به إذا لم يجعل دونه حظراً، فمعنى يحل عليكم ينزل بكم وينالكم بعدما كان ذا حظر وحجر ومنع عنكم. ووجه قراءة من قرأ يحل عليكم غضبي أن الغضب لما كان تتبعه العقوبة والعذاب جعله بمنزلة العذاب فقال يحل أي ينزل فجعله بمنزلة قولهم حلَّ بالمكان يحلّ وعلى هذا جاء يصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم فكما أن هذا عذاب قد أخبر عنه بأنه يحل كذلك أخبر عن الغضب بمثله وجعله بمنزلته لأنه يتبعه ويتّصل به.

السابقالتالي
2 3 4