الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } * { فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } * { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } * { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } * { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } * { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } * { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } * { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } * { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } * { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً }

القراءة: قرأ نافع وأبو بكر وإنك لا تظمؤ بالكسر والباقون أنك بالفتح وفي الشواذ قراءة أبان بن تغلب ونحشره بالجزم. الحجة: من قرأ بالفتح فتقديره أن لك أن لا تجوع فيها وأن لك أنك لا تظمأ ولا يجوز أن تقول أن أنك منطلق لكراهة اجتماع حرفين متقاربي المعنى فإذا فصل بينهما جاز ومن كسر فقال فإنك لا تظمأ قطع الكلام الأول واستأنف ومن قرأ نحشره فإنه عطفه على موضع قوله { فإن له معيشة ضنكاً } وموضعه جزم لكونه جواب الشرط. اللغة: ضحى الرجل يضحى ضحى إذا برز للشمس قال عمر بن أبي ربيعة:
رَأتْ رَجُلاً أيْما إذَا الشَّمْسُ عارضَتْ   فَيَضْحــى وأَيْمــــا بِالعَشِــيِّ فَيَخْصَرُ
يعني أمّا والضنك الضيق الصعب يقال منزل ضنك وعيش ضنك لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث لأن أصله المصدر قال:
وإذا هم نزلوا بضنكٍ فانزلِ   
المعنى: ثم بيَّن سبحانه تفصيل ما أجمله من قصة آدم ع فقال { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس } قد مرَّ تفسيره { أبى } أي امتنع من أن يسجد { فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك } حواء { فلا يخرجنكما من الجنة } أي لا تطيعاه والمعنى لا يكونن سبباً لخروجكما من الجنة بغروره ووساوسه { فتشقى } أي فتقع في تعب العمل وكدّ الاكتساب والنفقة على زوجتك ونفسك ولذلك قال فتشقى ولم يقل فتشقيا. وقيل: لأن أمرهما في السبب واحد فاستوى حكمهما لاستوائهما في السبب والعلة. وقيل: لتستقيم رؤوس الآي. قال سعيد بن جبير: أنزل على آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ويرشح العرق عن جبينه وذلك هو الشقاوة. { إن لك ألاّ تجوع فيها ولا تعرى } أي في الجنة لسعة طعام الجنة وثيابها { وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } أي لا تعطش ولا يصيبك حرّ الشمس عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة قالوا ليس في الجنة شمس وإنما فيها ضياء ونور وظل ممدود ويسأل ههنا فيقال كيف جمع بين الجوع والعري وبين الظمأ والضحى والجوع من جنس الظمأ والعري من جنس الضحى وأجيب عن ذلك بجوابين أحدهما إن الظمأ أكثر ما يكون من شدة الحر والحر إنما يكون من الضحى وهو الانكشاف للشمس فجمع بينهما لاجتماعهما في المعنى وكذلك الجوع والعري متشابهان من حيث أن الجوع عري في الباطن من الغذاء والعري للجسم في الظاهر والثاني إن العرب تلفُّ الكلامين بعضهما ببعض اتكالاً على علم المخاطب وأنه يرد كل واحد منهما إلى ما يشاكله كما قال امرؤ القيس:
كَـــأَنِّي لَــمْ أرْكَـبْ جَواداً لِـلَذَّةٍ   وَلَمْ أتَبَطَّنْ كاعِباً ذاتَ خَلْخــالِ
وَلَمْ أسْبَإ الزِّقَ الرَّوِيَّ وَلَمْ أَقُلْ   لخَيْلـي كِـرّي كَرَّةً بَعْـد إجْفالِ
وكان حقه أن يقول كما قال عبد يغوث:

السابقالتالي
2 3