الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

اللغة: وجده وصادفه وألفاه نظائر يقال وجدت الشيء وجداناً إذا أصبته ويقال وجدت بمعنى علمت والحرص شدة الطلب ورجل حريص وقوم حِراص والمودة المحبة يقال ودِدْت الرجل أوَدّه وُدّاً ووِدُاداً ووِدادة ومودة والتعمير طول العمر والعُمر والعَمْر لغتان وأصله من العمارة الذي هو ضد الخراب فالعمر المدة التي يعمر فيها البدن بالحياة والألف من التأليف سمي بذلك العدد ضمّ مائة عشر مرات والزحزحة التنحية يقال زحزحته فتزحزح وقال الشاعر:
وَقَالُوا تَزَحْزَحْ لاَ بِنَا فَضْلُ حَاجَةً   إلَيْكَ وَلاَ مِنـَّــا لِوَهْيكَ رَاقِعُ
والبصير بمعنى المبصر كما أن السميع بمعنى المسمع ولكنه صرف إلى فعيل ومثلهبديع السماوات } [البقرة: 117] بمعنى المبدع والعذاب الأليم بمعنى المؤلم هذا في اللغة وعند المتكلمين المبصر هو المدرك للمبصرات والبصير هو الحي الذي لا آفة به فهو ممن يجب أن يبصر المبصرات إذا وجدت وليس أحدهما هو الآخر وكذلك القول في السميع والسامع. الإعراب: لتجدنهم اللام لام القسم والنون للتأكيد وتقديره والله لتجدنهم قال سيبويه: سألت الخليل عن قولـه لتفعلن إذا جاءت مبتدأ فقال: هي على نية القسم وهذه اللام إذا دخلت على المستقبل لزمته في الأمر الأكثر بالنون وإذا كان وجدت بمعنى وجدان الضالة يعدى إلى مفعول واحد كفقدت الذي هو ضده فينتصب أحرص على الحال وإذا كان بمعنى علمت تعدى إلى مفعولين ثانيهما عبارة عن الأول فيكون أحرص هو المفعول الثاني وهو الأصح. وقولـه: { ومن الذين أشركوا } قال الفراء: يريد وأحرص من الذين أشركوا أيضاً كما يقال هو أسخى الناس. ومن حاتم ومن هَرِم لأن تأويل قولك أسخى الناس إنما هو أسخى الناس وقال الزجاج: تقديره ولتجدنهم أحرص من الذين أشركوا وقيل إنما دخلت من في قولـه ومن الذين أشركوا ولم يدخل في قولـه أحرص الناس لأنهم بعض الناس والإضافة في باب أفعل لا يكون إلا كذلك تقول الياقوت أفضل الحجارة ولا تقول الياقوت أفضل الزجاج بل تقول أفضل من الزجاج فلذلك قال { ومن الذين أشركوا } لأن اليهود ليسوا هم بعض المجوس وهم بعض الناس. وقولـه: { وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر } فيه وجوه أحدها: أن هو كناية عن أحدهم الذي جرى ذكره وأن يعمر في موضع رفع بأنه فاعل تقديره وما أحدهم بمزحزحه من العذاب تعميره كما يقال مررت برجل معجب قيامه وثانيها: أنه كناية عما جرى ذكره من طول العمر وقولـه أن يعمر بيان لقولـه هو وتقديره وما تعميره بمزحزحه من العذاب وكأنه قيل وما هو الذي ليس بمزحزحه فقيل هو التعمير وثالثها: أنه عماد وأن يعمر في موضع الرفع بأنه مبتدأ وبمزحزحه خبره. ومنع الزجاج هذا القول الأخير قال لا يجيز البصريون ما هو قائماً زيد وما هو بقائم زيد بمعنى الأمر والشأن وقال غيره إذا كانت ما غير عاملة في الباء جاز كقولـهم ما بهذا بأس.

السابقالتالي
2