الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ }

الإعراب: أبداً نصب على الظرف أي طول عمرهم يقول القائل لا أكلمك أبداً يريد ما عشت وما بمعنى الذي أي بالذي قدمت أيديهم ويجوز أن يكون ما بمعنى المصدر فيكون المراد بتقدمة أيديهم. المعنى: أخبر الله سبحانه عن هؤلاء الذين قيل لهم فتمنوا الموت إن كنتم صادقين بأنهم لا يتمنون ذلك أبداً بما قدموه من المعاصي والقبائح وتكذيب الكتاب والرسول عن الحسن وأبي مسلم وقيل بما كتموا من صفة النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن جريج وأضاف ذلك إلى اليد وإن كانوا فعلوا ذلك باللسان لأن العرب تقول هذا ما كسبت يداك وإن كان ذلك حصل باللسان والوجه فيه أن الغالب أن تحصل الجناية باليد فيضاف بذلك إليها ما يحصل بغيرها. وقولـه: { والله عليم بالظالمين } خصص الظالمين بذلك وإن كان عليماً بهم بأن الغرض بذلك الزجر والتهديد كما يقول الإنسان لغيره إني عارف بصير بعملك وقيل معناه إن الله عليم بالأسباب التي منعتهم عن تمني الموت وبما أضمروه وأسرّوه من كتمان الحق عناداً مع علم كثير منهم أنهم مبطلون. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار " فقال الله سبحانه إنهم لن يتمنوه أبداً تحقيقاً لكذبهم وفي ذلك أعظم دلالة على صدق نبينا وصحة نبوته لأنه أخبر بالشيء قبل كونه فكان كما أخبر وأيضاً فإنهم كفوّا عن التمني للموت لعلمهم بأنه حق وأنهم لو تمنوا الموت لماتوا. وروى الكلبي عن ابن عباس أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم: " إن كنتم صادقين في مقالتكم فقولوا اللهم أمتنا فوالذي نفسي بيده لا يقولـها رجل إلا غَصَّ بريقه فمات مكانه " وهذه القصة شبيهة بقصة المباهلة وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا النصارى إلى المباهلة امتنعوا لقلة ثقتهم بما هم عليه وخوفهم من صدق النبي صلى الله عليه وسلم في قولـه: " لو باهلوني لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً " فلما لم يتمنَّ اليهود الموت افتضحوا كما أن النصارى لما أحجموا عن المباهلة افتضحوا وظهر الحق فإن قيل من أين علمتم أنهم لم يتمنوا الموت بقلوبهم؟ فالجواب أن من التمني هو القول فالسؤال ساقط عنه ومن قال هو معنى في القلب قال لو تمنوه بقلوبهم لأظهروه بألسنتهم حرصاً منهم على تكذيبه في أخباره ولأن تحديهم بتمني الموت إنما وقع بما يظهر على اللسان وكان يسهل عليهم أن يقولوا ليت الموت نزل بنا فلما عدلوا عن ذلك ظهر صدقه صلى الله عليه وسلم ووضحت حجته.