الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

اللغة: الخالصة الصافية يقال خلص لي هذا الأمر أي صار لي وحدي وصفا لي يخلص خلوصاً وخالصة مصدر كالعافية وأصل الخلوص أن يصفو الشيء من كل شائبة ودون يستعمل على ثلاثة أوجه أن يكون الشيء دون الشيء في المكان وفي الشرف وفي الاختصاص وهو المراد في الآية والتمني من جنس الأَقوال عند أَكثر المتكلمين وهو أن يقول القائل لما كان ليته لم يكن ولما لم يكن ليته كان وقال أبو هاشم هو معنى في القلب ولا خلاف في أنه ليس من قبيل الشهوة. الإعراب: خالصة نصب على الحال. المعنى: ثم عاد سبحانه إلى الاحتجاج على اليهود بما فضح به أخبارهم وعلماءهم ودعاهم إلى قضية عادلة بينه وبينهم فقال قل يا محمد لهم إن كانت الجنة خالصة لكم دون الناس كلهم أو دون محمد وأصحابه كما أدعيتم بقولكم لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى وكنتم صادقين في قولكم نحن أبناء الله وأحبّاؤه وأن الله لا يعذبنا فتمنوا الموت لأن من أعتقد أنه من أهل الجنة قطعاً كان الموت أحب إليه من حياة الدنيا التي فيها أنواع المشاق والهموم والآلام والغموم ومن كان على يقين أنه إذا مات تخلص منها وفاز بالنعيم المقيم فإنه يؤثر الموت على الحياة ألا ترى إلى قول أمير المؤمنين ع وهو يطوف بين الصَفَيّن بِصِفَين في غلالة لما قال له الحسن ابنه: ما هذا؟ زيّ الحرب. يا بني إن أباك لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه وقول عمار بن ياسر بصفين أيضاً:
الآن أُلاقي الأحبه محمداً وحزبه   
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ولكن ليقل اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي " فإنما نهى عن تمني الموت لأنه يدل على الجزع والمأمور به الصبر وتفويض الأمور إليه تعالى ولأنا لا نأمن وقوع فما أمرنا به ونرجو في البقاء التلافي.